يعتقد الرجل الأبيض أنه متفوق طبيعةً، وأن عليه أن يهديك إلى صوابك. في قاعات البحث وفصول التعلم، على طاولات المقاهي، وعلى كراسي الانتظار، وفي مشاوير المواصلات كثيراً ما يواجهني -بما أنا امرأة، سمراء، محجبة- فضول في أعين الناظرين أو أحكام مبطنة في أسئلتهم، عما أتى بي إلى هنا، وعن حياتي هناك وهنا. أسئلة تستبطن حكماً على أوطاننا أنها سجون للنساء، أو أن بيوتنا قلاع مانعة، يُضرب عليهن فيها بأسوار وأقفال.
في إحدى المحاضرات، سألني رجل أبيض -كان بجواري- عن تعليم البنات، حين أخبرته أني أستاذة جامعية، وأنها كلية للبنات، قال: وما شكل كلية البنات عندكم؟
أجبته : وكيف تكون الكلية؟!
ثم قلت إن أمي -حفظها الله- حاصلة على الإجازة الجامعية من جامعة الكويت، في السبعينيات، قبل حصول أبي عليها، وإنها هي التي حثّته على إستكمال دراسته بعد زواجها منه، عن غير شعور باستعلاء الشهادة الجامعية، ولكن عن حسن تدبير لأمر أسرتها. (فلسنا نقيم معاييرنا على ما تنصبه الحياة الحديثة، وإنما نتوجه لها أداةً لا معياراً)
بتصورات مزيفة عن معنى الحياة -من جهة-، وعن مجتمعاتنا -من جهة أخرى-، يستبطن الرجل الأبيض أن بوسعه أن يهديك إلى صوابك، كما لو أن في قبضته معيار الحضارة، أو أن ثقافته هي “الثقافة”.
في مدارس الكويت في السبعينيات مادة (التربية النسوية) للبنات، يُدرّس فيها التدبير المنزلي.
من أبسط حقوقك أنك تصوغ مفاهيمك.
هامش:
كان صهيب أشد الناس إلحاحاً عليّ أن أستكمل دراستي، حتى أنه وقف بيني وبين الباب، يوماً، يمنعني من الخروج من الدار حتى يستكمل مرافعته: أنتِ تحبين الدراسة، روحي درسي!
ولم يكن هو يحبها، وكنت قد كتمتُ عنه قبولي للابتعاث لئلا يلحّ علي، (وقد كنت في حيرة سببها أني أَلِفة لم أكن أعرف الغربة). غير أنه صادق النصح، حسن التدبير، مؤتمنٌ، استشرته أو لم تستشره، لا يجد في نفسه غضاصة أن يهديك إلى ما يتبدّى له أنه خير لك، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. يكابد الحياة بيدِ كاسبٍ وقلبِ مُعطٍ.
2 Comments
غير معروف
أسلوبك رائق
حصة
يروقني هذا :)