ليست هذه تدوينة في مديح السفر، ولا عن تجارب الترحال، وليس هذا نَص في وصف الرحلة، وإنما هي إلماحات بسيطة لكِ، إذا كنتِ قد وهبتِ حباً للمعرفة، ثم كتب الله لك سلوكاً (مسلكاً) في سبيلها، ووهبتِ فوق هذا خفة في السعي، وانعتاقاً من ثقلة القعود.
تدوينات ليست قصيرة
تُقرأ في خمس دقائق أو ست أو سبع
ثم أن التغيير الذي تجريه في نفسك إنما يستديمه عندك شعورك بوجود أثر له يمتد -على الأرض وإلى السماء-، فالعامل حين يغرس فسائله أو يمد معاوله إنما يفعل ذلك لأجل مكانٍ لِما تُحدِثه يده في هذا العالم.
في هذه التدوينة أحاول أن أكتب بعض الإلماحات التي قد تعين الباحثين، مما تعلمته في هذه المحاضرات، وفي غيرها، من الدروس والتجارب.
والنص هذا مُهدىً إلى من يرى في أرزاق غيره من المعارف والتجارب رزقاً له، يحبه كما يحبه لنفسه، يعرف أن له نصيباً من خراجها على أطراف أنامله، أو على طرف الأسئلة.
استمعت إلى النسخة الأصلية للكتاب، وكان سرد الراوية المحترفة، للنسخة الصوتية جميلاً متقناً، ينقل القصة على نحو يُذكّرك بالمسلسلات الصوتية في الراديو قديماً، فيضيف إلى خفّة السماع متعة وانجذاباً للقصة، يُشغلك عن كثير من الأعمال التي تستثقلها، فلا يَثْقُل عليك شيء من مهماتك اليومية، إذا تنجزها وأنت تسمع.
تحاول هذه التدوينة أن تضع -في نقاط- ما الذي يمكن الواحد منا فعله إزاء هذا الذي يجري.
تتعلم من هذه التجارب، فيما تتعلمه، تفاوت أطباع الناس، واختلاف صورها ومعانيها، فليست الشدة قسوة متعمّدة على كل حال، وليست المحبة ظاهرة دائماً، في كل تعاطٍ معنى يضمره صاحبه أو يبديه، وحساسية وعيك بحقيقة اختلاف النفوس وتنوع النوازع يعينك على تلمّس معرفة ووعي لست تجده في الكتب، ولا تمنحك إياه إلا تجارب التعايش.
أودَعَ تقليب صفحات المعجمات (وأنا أبحث عن معنى الأسرة) ثُقلاً في روحي لم أعهده من قبل، حتى وجدت أثره في جسدي. عُدت من المكتبة أجرّ قدميّ -حقيقةً لا مجازاً- وكأن صدعاً قد أصاب العالم.
هل صارت “المعرفة” تُثاقِلك إلى الأرض بعدما كان من شأنها أنها ترفعك؟
كنت قد اشتريت هذا الكتاب في آخر معرض كتاب قبل جائحة كورونا، وبدأت قراءته على أضواء السيارات خارج المعرض، غير أن موضوعاً حياً كهذا، في مناقشة فلسفية منهجية، كان جديراً أن يقدم معالجة أكثر إقناعاً وانضباطاً.
كلنا -تقريباً- حصلنا على نسختنا من كتاب (عايزة أتجوز)، الذي صدر 2008 عن دار الشروق في (سلسلة جديدة للمدونات العربية المتميزة)[1]، ومازلت أذكر -وأنا إذ ذاك أدرس الماجستير- حين كلمتُ عمتي وهي في زيارة للقاهرة: “عمتي بأوصيك تييبين لي كتاب”، وظنّتْ هي أنه من كتب التخصص، ثم تقطعت كلماتي في موجة ضحكي، إثر ردة فعلها،…
لقد كان الكتاب منتوج حقبة نكوص تفكك سابقة، شبيهة في كثير من جوانبها بما نعيشه الآن.
يكمن الاختلاف الأكبر، عن الوضع الحاضر، في أنه، على خلاف ثلاثين عاماً من النيوليبرالية والموجات الأخيرة من التراجع الاقتصادي، كان ماركوزه يكتب في وقت كانت فيه دولة الرفاه تنمو، ويصير فيه حال عامة الناس أكثر يساراً.