لا تقدم هذه التدوينة تأويلاً لمعنى الآية، وهي إذ لا تفعل ذلك، فليست تقدم تأملاً في معناها نفسه، وإنما تأملات في فعل التواصل، وفي العجز فيه، في البيوت الآمنة.
تقول عائشة للنبي:
“يا رسولَ اللهِ، كلُّ صواحبي لهن كُنى،”.
يقول لها النبي: “فاكتني بابنك عبدِ اللهِ”.
فما قال لها: أنت أم المؤمنين، كُلهم أجمعين.
ولا وقال : أنت عند نبي الله، وإنك لأحب الناس إليه.
ولم يقل: ما عند الله في الدار الآخرة خير.
ولا قال: عُدّي نِعَمتك.
لا تعرف طفلة ذكية ما (الذكاء)، إذا ما وُصفت به، وتحاول أن تستقرئ معناه من ألسنتة القائلين أو وجههم، ما الذي يحيل إليه بائع تجادله في ثمن اللعبة، أو معلّم نادٍ تحاجّه في وعود لم يُنفذها، أو مدرّب في دورة تتمتم بإجابات على أسئلته، وهي مُطأطئة رأسها إلى دفترها، إذا ما قال: “ذكية!” التفتت خلفها.
القرآن يقول: “الغافلات المؤمنات”
وأذكر أني شعرتُ حيناً أن “القرآن مو بس أعذَرنا، القرآن عبّر عن سايكولوجيتنا!”. وإذا هو وصفٌ وصفت به عائشة أم المؤمنين حالها، يوم الإفك، فصدّقه القرآن: قالت: “رميت وأنا غافلة وإنما بلغني بعد ذلك ..”
فما معنى (الغفلة) في ذلك؟ وهل هي خاصة بالمؤمنات؟
فالصور المبثوثة كلها ليس بوسعها أن تنبئك عن الأسرار، وتلك -يا صديق- أحوال ليست تُرى، وإنما تُستشعر بالذوق، وبالتجربة -بمعناها الروحي-.. ينقلها المكروبون، تتواتر عنهم- ما بقي الكرب والبلاء -.
تكتب أو تقول -في مساحتك الآمنة تلك- مسترسلاً بلا كثير تحفظ [على الفكرة] ولا زيادة تنميق، منفعلاً بفكرة أو متأثراً بموقف، وإذا الواحد هذا هو جمهورك إذ يكتمل له نصك، أو ترى اتساع حدقة عينيه، فينبهك إلى استكمال بعض الزوايا، أو تشذيب بعض السطور، أو يستحثك أن تبث مما قلته للفضاء.
في قاعات البحث وفصول التعلم،، وعلى كراسي الانتظار، وفي مشاوير المواصلات كثيراً ما يواجهني -بما أنا امرأة، سمراء، محجبة- فضول في أعين الناظرين أو أحكام مبطنة في أسئلتهم، عما أتى بي إلى هنا، وعن حياتي. أسئلة تستبطن حكماً على أوطاننا أنها سجون للنساء، أو أن بيوتنا قلاع مانعة، يُضرب عليهن فيها بسور وأقفال.
السّعة، والضيق، والتقلُّل -كذلك- مثل كل المعاني النسبية، مفاهيم ثقافية. الواسع في هذه الثقافة -ابتداءً- هو ما تصفه الجدات بأنه واسع، لا ما تصفه هذه الحضارة الإسمنتية.