في قاعات البحث وفصول التعلم،، وعلى كراسي الانتظار، وفي مشاوير المواصلات كثيراً ما يواجهني -بما أنا امرأة، سمراء، محجبة- فضول في أعين الناظرين أو أحكام مبطنة في أسئلتهم، عما أتى بي إلى هنا، وعن حياتي. أسئلة تستبطن حكماً على أوطاننا أنها سجون للنساء، أو أن بيوتنا قلاع مانعة، يُضرب عليهن فيها بسور وأقفال.
إكستر
وسم عن تجارب الغربة مجتمعة، سمّيته باسم المدينة التي درست فيها فترة ابتعاثي، في إنجلترا
ليست هذه تدوينة في مديح السفر، ولا عن تجارب الترحال، وليس هذا نَص في وصف الرحلة، وإنما هي إلماحات بسيطة لكِ، إذا كنتِ قد وهبتِ حباً للمعرفة، ثم كتب الله لك سلوكاً (مسلكاً) في سبيلها، ووهبتِ فوق هذا خفة في السعي، وانعتاقاً من ثقلة القعود.
في هذه التدوينة أحاول أن أكتب بعض الإلماحات التي قد تعين الباحثين، مما تعلمته في هذه المحاضرات، وفي غيرها، من الدروس والتجارب.
والنص هذا مُهدىً إلى من يرى في أرزاق غيره من المعارف والتجارب رزقاً له، يحبه كما يحبه لنفسه، يعرف أن له نصيباً من خراجها على أطراف أنامله، أو على طرف الأسئلة.
محاولة لفهم دلالة لفظ (التعاطف) بما هو ممارسة ثقافية، فهماً منفكّاً عن سلطة الحداثة، أو الحضارة الغالبة.
والبحث مهدىً إليهما: إلى الذي يهب المواقف فعله لا أقواله، وإلى التي تهب صرامةَ إتقانها إلى التفاصيل!
ويبقى درس الحياة: اغرس فسيلةً في يدك، وإن كنت لا تتطلب نباتها، وإن كانت في أرض بعيدة، أو في زمان لا يُضمن في مثله ثمر.
وضاحِك الغرباء، فالضحك يُزهر في قلوب المغتربين.
أضع على نوافذي زرعاً، وأعتني بباقات الورد التي أهداها، كلما طرَق الورد بابي أو وصلتني نبتة في أصيص كنت أحاول أن أمدّ من عمرها برعايتها..
أودَعَ تقليب صفحات المعجمات (وأنا أبحث عن معنى الأسرة) ثُقلاً في روحي لم أعهده من قبل، حتى وجدت أثره في جسدي. عُدت من المكتبة أجرّ قدميّ -حقيقةً لا مجازاً- وكأن صدعاً قد أصاب العالم.
هل صارت “المعرفة” تُثاقِلك إلى الأرض بعدما كان من شأنها أنها ترفعك؟
أحمل معي إلى المسجد سلة فيها حافظة الشاي وأكواب من ورق، الصداع يشقّ رأسي، ومنيرة قالت لي -عبر الأثير، من مسافة خمسة آلاف ميل-: لا تخليّن التراويح، خذي معاك بنادول وشاي.
صادفتني هذه اللوحة وأنا واقفة على الرصيف في المحطة أنتظر القطار، وأزعم أنني قد اجتمع لي -أثناء وقوفي أمامها- كل شعور قد اختبرْتُه في حياتي، وربما مشاعر لم أختبرها من قبل -أو كادت أن تجتمع- في تلك اللحظة.
كنت قد حضرت محاضرة في الجامعة عن (العشق عند العرب؛ باعتباره حالة مرضية)، كانت محل عناية في الطب التراثي ودرسها الأطباء (مثل ابن سينا والرازي وغيرهما)، ولا زلت أذكر كيف أن أقواماً كان فوق تَصوّراتهم أن يدركوا أنّ قوماً “إذا عشقوا ماتوا”.