كنتُ -عُمْرا طويلاً- أرى بأن التسامح هو الأصل في العلاقات، ثم صرت أرى أن المسافة هي الأصل.
مسافة الأمان التي تمنحك وقاية مما قد يتطلب التسامح لاحقا.
إننا نظر اليوم إلى التعاطف على أنه طريقة لتفهّم ما مرّ به شخص آخرٌ. ولكن الكلمة الإنجليزية ‘empathy‘ حين ظهرت، أول ما ظهرت، في عام 1908 ترجمةً للكلمة الألمانية Einfühlung، كانت تشير إلى قدرة جمالية على تقدير الأشياء والطبيعة. ما هي الصورة المتقدمة[1]، المُدهِشة، للتعاطف؟ وهل يمكننا اليوم أن نتصور التعاطفَ ممارسةً جماليةً؟
كنت إذا أجلس على طاولة مقهى في العاشرة من صباح يوم من نهاية الأسبوع، يأتي رجل مسن، يرتب الصينية على الطاولة لتتسع لكوبه هو وزوجته، ويجلس أو يدعوني لطاولته، ثم يعطيني رقم موبايله دون أن أطلب، ويرسل رسالة في صبيحة كل سبت: “سنكون في شرفة المقهى بعد ساعة، لا تتأخري”.
هوجم عالم النفس الإكلينيكي، الكندي، البروفيسور جوردن بيترسون لأسباب تتعلق بآرائه، ومنها أراؤه عن النسوية والمثلية الجنسية والأدوار الجندرية، والدين. شنت ضده صحف إنجليزية، وغير إنجليزيه حملاتها، بعد أن ظهر في مقابلتين تلفزيونيتين مع صحيفتين إنجليزيتين، حصدت المقابلتان مشاهدات عشرات الملايين (قد تكشف لك مشاهدة المقابلتين أو إحداهما صورة عن طبيعة “الصراع” وبعض مسبباته).
كنت أداوي العزلة بالتواصل.
في مارس، عندما بدأت الحياة تعود شيئاً فشيئاً إلى طبيعتها، أرسلتُ إلى ساره:
– سارون، أبي أتطوع معاكم، عطوني شي أسويه.
كنت أتوقع تكليفاً بعملٍ مكتبيّ، يتعلق، مثلا، بالتخطيط لمشاريع، أوصياغة أفكار، أو تطوير مواد.
مِن أين لك كل هذا النُبل؟
– رزقٌ من الطين؛ جينٌ مبارك، ورزق من السماء ..
ربّوا بناتكم على (الإيقو)، عرّفوهن بأقدار ذواتهن منذ سن الرابعة، علموهن على صيانة قدرها، وما يليق بها من المكارم، وأوثقوا صلة قدر الذات بالفضائل.
كانت -رحمها الله- من ألطف الناس وأقوى الناس، ومن أحسن من قد يمرّ عليك خُلُقاً. وأظن أن قدراً كبيراً مما تتحلى به من حسن خلق راجعٌ إلى قَدْر ذاتها عندها.
لأبدأ بالتَّصريح بهذا: إنَّني من أشدِّ المعجبين بـ [ممارسات] التَّيقُّظ الذِّهنيِّ، لقد مارسته أكثر من عشر سنوات وقرأت كثيرًا من الكتب والمقالات عنه، كما أنَّ لي مدوَّنة عن التَّيقُّظ الذِّهنيِّ على موقع (Psychology Today).
إذن: اعمل لنفسك، وفي بالك أيضاً مصلحة الغير وحاجتهم، فإنْ فعلتَ ذلك فأنت في عبادة. تعمل على قَدْر طاقتك، لا على قَدْر حاجتك، ثم تأخذ حاجتك من منتوج الطاقة، والباقي يُرَدُّ على الناس؛ إما في صورة صدقة، وإما بثمن، وحَسْبك أنْ يسرت له السبيل.
إذن، نقول: العبادة كل حركة تؤدي خدمة في الكون نيتك فيها…