Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

زحمة يا دُنيا ..!

صباح أمس* وأنا أتصفح الآيفون بُعَيد الاستيقاظ وإذا إيمان كانت قد أرسلت لي رسالة:
 
لم أكن أتوقع أنه مع غروب شمس هذا اليوم .. سأكون أنا الشاهد .. وأنا الحكاية ..!

المدن اللاهثة لاتروقني ..!
حسناً، من البداية:
بدأ نهاري باكراً صباح أمس .. يجب أن أصل لندن في حوالي العاشرة .. لحضور (معرض لندن الدولي للكتاب)  .. الطريق إلى هناك يستغرق ثلاث ساعات ..
إيميل اللجنة المنظمة يقول:
“الرجاء إحضار قسيمة الاشتراك في المعرض، بطاقة هوية شخصية..” وتنبيه على الازدحام والطوابير المتوقعة عند البوابة ..
وأنا لا أعرف -على وجه الدقة مكان المعرض، وعندي موعد في الثالثة للقاء صديقتي شيماء تزور لندن .. قادمةً من قطر ..
فجهزت حقيبتي ليلاً:
(1) قسيمة الاشتراك في المعرض،
(2) تذكرة القطار: ذهابا وإياباً
(3) تذكرة القطار الداخلي (مترو الأنفاق؛ وسيلة المواصلات الأساسية داخل لندن).
(4) هوية إثبات شخصية: (كنت محتارة بين هوية الجامعة وهوية الإقامة الرسمية .. لا أدري أيهما المطلوب .. ولكني اكتفيت بهوية الجامعة).
(5) جهازا موبايل مشحونان بالكامل، وشحن إضافي ..
وفي طريق القطار -كالمعتاد – قرأتُ أذكاري .. وورد الإمام النووي  -اللهم لا رياء- :)
ووصلتُ للندن .. وسحبتُ مبلغا نقدياً كافياً من بطاقتي البنكية وضعته في محفظتي تحسباً للظروف:
“يمكن أحتاج مشوار مع تاكسي .. أو يمكن أشتري كتب والمعرض ما يوفرون الدفع بالبطاقة ..!”
وبعد زيارة المعرض..  ومقابلة صديقتي عُدتُ إلى المحطة في حوالي السادسة مساءً ..
كان المترو (القطار الداخلي) الذي يأخذك إلى محطة القطار الرئيسية (للذهاب إلى مدينتي) مزدحماً جداً جداً …
على نحو يشعرك وكأنك في بكين ..
London Underground passengers standing in a crowded carriage
                                              مصدر الصورة 
كنتُ أتفكر في الحشر -وأنا ممسكة بالعامود- .. وفي المدن اللاهثة وأثرها على طبائع إنسانها .. و مدينتي الهادئة .. “ماذا لو كنت أقيم في لندن؟!!” -تساءلتُ- ..
فحمدت الله في سري ..
وصلتُ لمحطة القطار الذي ينقلني لمدينتي … وأخرجتُ بطاقة القطار من جيب معطفي (لم أضعها في المحفظة تسهيلاً للأمر) ..
وركبتُ القطار ..
وبعد الانطلاق بنصف ساعة فتحتُ حقيبة يدي لاستخراج الموبايل والبسكويت .. وإذا الحقيبة خالية من المحفظة …!
نفضتُ الحقيبة .. لا شيء ..!
حقيبة السفر الصغيرة التي أسحب فيها الكتب .. لا شيء ..!
“اتسرقت” محفظتي :(
فوراً اتصلت بالبنك البريطاني لايقاف بطاقة الائتمان ..
حسناً، يجب أن أوقف بطاقة البنك الكويتي (خصوصاً أن إحدى بطاقاتي تعمل بدون رقم سري، وبدون الحاجة لتوفر رصيد)..
اتصلت على البنك في الكويت .. لا رد..
ويستدعي عقلي بصورة آلية (مساعدة صديق) على الترتيب التالي:
محمد أخوي (مسافر)
صهيب أخوي (مسافر)
خالتي التي تعمل في البنك (مسافرة مع صهيب)
حمد زوج أختي (في العمرة)
خالد زوج أختي (يتلقى العلاج في بريطانيا) “يارب تردّه بالسلامة”
يوسف أخوي (آخر العنقود سُكّرٌ معقود) :
“ألو … يوسف حبيبي … كلم البنك يوقفون بطاقاتي، محفظتي سُرقت .. هذا الموجز .. وستأتيك الأنباء بالتفصيل”
يسأل يوسف: “وشلون تدبرين لك فلوس”
قلت: خير .. لا تحاتي ..”

كانت  بطارية الآيفون فارغة … والجهاز يعمل على بطارية احتياطية … والشحن الاحتياطي: 20%
يتصل البنك الكويتي بهاتفي .. أعطيهم البيانات بأشد الطرق اختصاراً .. وصل الشحن إلى 10%
ولازال الوصول إلى مدينتي بعد حوالي ساعة ..
وأنا لا أملك أي نقود ولا بطاقات ..
أتصل بأم عبد الرحمن؛ سيدة عراقية مقيمة هنا، صديقة حميمة لأمي ..
لا ينفع الاختصار مع سيدة عزيزة في مقامها، لا أريدها أن تقلق .. شحن الأيفون 9% ..!
هلا خالتي، شلونك شخباركم؟
أنا بخير الحمد لله ..
إي اليوم رحت معرض لندن للكتاب ..
إي والله استانست ..
“خالتي حبيبتي، محفظتي سُرقت ..
والحين الساعة ثمان ونص .. مافي باصات ..
ولا أستطيع الركوب مع تاكسي للذهاب للبيت  لأنني لا أملك ثمن الركوب …”

تودعني أم عبد الرحمن عند باب البيت .. وتضع في يدي خمسين جنيه : “خليهم إلى حين استخراج البطاقة بعد عدة أيام “..
وأحسست .. بشعور “مصروف المدرسة” :(
كانت ودودة كأم ..
لكني كان هذا شعوري:
photo (20)
أن تفقد محفظتك … تنساها في مكان … شعور مختلف تماما عن شعور السرقة ..
عن شعور حرامي يسرقها على حين غفلة منك ..  ويتركك بعدما ملأتها نقوداً حتى لا تحتاج لأحد .. يتركك لا تملك حتى أجرة التاكسي ..!
كنت مقهورة من الحرامي .. الذي بعدما اسدعيت أحداث اليوم قَدّرتُ أنه كان يقف بجواري في مترو الأنفاق بلندن ..

 ماذا لو كانت تذكرة العودة في القطار في محفظتي وليس في جيب معطفي ..
كيف كنتُ سأعود لمدينتي .. وأنا لا أملك تذكرة ولا نقداً ..!
وماذا لو كانت هوية الإقامة في محفظتي؟

ثم ماهي قيمة الـ 250 جنيه التي كانت في محفظتي؟
واسترجعتُ قيمة مصروفاتي الأخيرة في ذهني:
كنت أريد شراء لوحة فنية منقوشة بالخط العربي بقيمة ما يعادل 600 دولار تقريباً .. كانت مكتوبة عليها عبارة نزار:
“شكراً لساعات التهور والتحدي .. واقتطاف المستحيل ..!” 
أحب الجمال .. ولا أقدّرة بثمن .. وأحب الكلمات الملهمة جداً .. أحبها حدّ الانتماء …
لكن هل هذا ما أحتاجه ليلهمني؟ أم أنني بحاجة لإعادة تنظيم وقتي وجدولة أهدافي والاشتراك بدورة تطور مهاراتي حتى أصل للهدف؟
هل يمكنني الحصول على ذات اللوحة بنصف السعر .. ودفع نصف السعر الآخر قسطاً من رسوم دراسية لطالب جامعي؟
هل يكمن الإلهام في لوحة .. أو في إنسان؟
حسنا، والنادي الرياضي الذي دفعتُ له اشتراكاً مماثلاً ثم لم أحضر إلا مرات معدودة …
كم إنسان لا يملك (سعر الدفتر والقلم) فضلا عن (أجرة التاكسي) … كيف سيكون شعوره؟
هل تُراه يحس بأن مستقبله وحُلُمه سُرِق منه .. كما أحسست حين سَرَق الحرامي محفظتي ؟! ..
وهل سيشعر بأن السارق هو التُخمة التي اقتاتتت على جوعه ؟
أو السَرَف الذي أهدَرَ أمنياته ..
وهل يمكن أن نخفف “زحام الأنا” اللاهث وراء الأشياء  فينا؟ لئلا تُسرق من إنسانٍ أمنية .. ولئلا يُقطَع الطريقُ على “حُلُم” ..!
هل يمكن أن “نكفل”أمنيةً.. تتوارى في الطرف الآخر من الأرض .. قد يكون ثمنها من سَقط متاعنا .. ولكنها في قلب إنسانها عُمراً من الانتظار ..
هل يمكن أن “نُعتق” الأحلام البسيطة .. نفديها بشيءٍ من أكوام الترف ..
هل يمكن أن يعود للأرض توازنها .. بحلاوة تمرة تقسمها أنامل  إلى شِقّين ..
وتغيّرت قيمة أشيائي ..
ولعله خير .. !

*كتبتُ التدوينة في 16 أبريل

4 Comments

  • سبع حمص
    Posted 23 أبريل, 2013 at 9:31 م

    رائعة جدا الحمد لله على كل حال

  • فاطمة
    Posted 26 أبريل, 2013 at 8:53 ص

    رووووعة حصونة كلماتك عذبه و عميقة حييل … كيف نمر بأحداث لا نراقب إلا السطحي منها لكن عمق رؤيتك جعلت للأحداث معنى روحي و إنساني :**

  • Asma
    Posted 28 أبريل, 2013 at 7:59 م

    قدر الله وما شاء فعل…خطاج السو يالغالية وفدوه حق عمرج حبيبتي…عليج بالخلف وعليه بالتلف…كل حرف تكتبينه حلو ورقيق واحس انه بعالم ثاني لونه وردي رغما عن انف الحرامي♡

  • تتبّـع: مُعَلَّقَـــة ..!* | غمامة

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates