Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

كان لديّ حُلُم ..!

      الكاتب: هادي باجبير ترددت كثيراً في كتابة هذه الكلمات إلا أن من حدثتهم ببعض القصص من حياتي طلبوا مني أن أنشرها و لقد رأيت أنها قد تفيد البعض و تحفزه و أتمنى أن يستفيد منها من يقرؤها .. أنا شاب عشت في أسرة مستورة الحال عدد أفرادها تسعة: أب و أم و خمس بنات و ثلاثة أخوة، ترتيبي هو الثاني. حين كنت في السابعة من عمري كنت أرى أصدقائي في القرية يذهبون للمدرسة القريبة التي تبعد عن بيتنا أقل من خمس دقائق مشياً على الأقدام .. طلبت من والدي رحمه الله حينها أن ألتحق بالمدرسة أنا و أخي الذي يكبرني بأربع سنوات إلا أنه رفض بسبب الوضع المعيشي برغم إلحاح الوالدة ..بقيت بعدها أكثر من ثلاث سنوات و أنا أتألم و ابكي و تصيبني الحسرة لرؤيتي لأصدقائي و أولاد الجيران يذهبون كل يوم للمدرسة .. وأنا عاجز عن اللحاق بهم. أرسلتني الوالدة أنا و أخي إلى رجل كبير في السن ليعلمنا قصار السور بعد الظهر .. حين بلغتُ العاشرة من العمر أتي أحد أعيان بلدتي و طلب من والدي أن يلحقنا بالتعليم السنة القادمة أنا وأخي الثالث و الذي يصغرني بسنتين على أن يتكفل أحد الميسورين بتوفير الحقيبة المدرسية و الزي المدرسي , و لما وافق الوالد سعدت كثيرا و مرّت السنة و أنا أحسبها باليوم لشغفي بالذهاب للمدرسة أما أخي الاكبر فلم يتمكن من الدراسة لأنه اضطر للعمل لمساعدة الوالد . دخلت المدرسة و كان هناك ألم قليل يعتصرني لتأخري ثلاث سنوات لكن حدث هناك موقف أنساني كل شيء و هو أن المدرسة عملت حفل في نهاية الفصل الأول و عند التكريم بدؤوا بالمستوى الأول /الشعبة الأولى و التي كنت أنا فيها.. هَتَفَ المدرّس: “سنكرم اليوم أوائل الطلاب على مستوى المدرسة، وسنبدأ أولاً بالطالب المثالي والأول على الفصل .. الطالب/ هادي باجبير. الحمد لله الحمد لله .. لقد طرت من الفرح .. مازلتُ أتذكر تلك الخطوات البطيئة التي تفصلني عن استلام الهدية وذلك التصفيق الذي استمر إلى أن استلمت جائزتي.. حينها نسيت سنوات التعب والحرمان من التعليم .. أعتقد أن هذا الموقف و هذه اللحظة فتحت أمامي أبواب النجاح.. فقد كان ترتيبي الأول على الفصل منذ الصف إلى الصف السادس، بعدها كان ترتيبي الثاني على الفصل لأني كنت أعمل، ثم عاودت الكرّة من جديد لأحتل المرتبة الأولى في الثانوية .. لقد وهبني الله نعمة لم أنساها طوال حياتي. لقد عملت و أنا في الصف الخامس والسادس بعد الدوام الدراسي أحياناً، و في العطل الصيفية في المزارع نغرس شتلات البصل و نبعد الحمام عن المحصول ( في لهجتنا نحمي ) من أجل توفير مبالغ تعينني في دراستي و تمنع عني مدّ يدي لأحد.. و في الصف السابع و الثامن عملت في مهنة الوالد رحمه الله و الذي تركها لأكثر من عشر سنوات و هي خياطة و تلميع الأحذية في شوارع المدينة و كذلك في القرية بعد صلاة العشاء. و توقفت عن العمل في الصف التاسع لأنها مرحلة انتقاليه و تحتاج جهد أكثر وأعتقد أنني مهدت الطريق لأخي الأكبر الذي ترك العمل الشاق و قام باستلام عملي و طوّره و هو الآن يمتلك محلين أحدهما يديره أخي الصغير الذي ترك المدرسة و هو في الصف السابع ليساعد الوالد و العائلة و المحل الثاني يعمل فيه أخي الأكبر و هو تنجيد السيارات . برغم أني كنت من أوائل الطلاب إلا أنني عانيت في آخر سنة في الثانوية حيث أصبت بنزيف شديد في الأنف لم أعرف سببه إلى الآن، و كانت أمي خائفة جداً من هذا النزيف فكانت نصيحتها حفظها الله: “ما في داعي ترهق نفسك كثيرا” لأني عندما أمسك اي كتاب و أبدأ بالمذاكرة يأتيني النزيف .. حقيقةً لم استطع أن أحقق نسبة تحقق طموحي بالالتحاق بكلية الطب لكنني قلت قبل أن تخرج النتيجة لو لم تتأتى كلية الطب سأدخل الهندسة و الحمد لله دخلت كلية الهندسة وعلوم الحاسوب. في الجامعة تكفلت أحدى الجمعيات الخيرية بتوفير مصروف التغذية و السكن لمدة سنتين، وكنتُ أبحث عن عمل يوفر لي دخلاً في أثناء فترة الدراسة الجامعية.. ثم في مرة من المرات أتيت إلى صاحب عمارة كبيرة و طلبت منه أن أنظف العمارة فوافق إلا أننا اختلفنا في وقت العمل، فأنا لا أريد أن يراني أحد من أصدقائي وزملائي أنا أنظف -وأعتقد أنه كان نوع من الكبر في نفسي – فطلبت من صاحب العمارة أن أشتغل بعد الفجر و الناس والطلاب نائمين لئلا يراني احد فرفض. و بعد فترة ليست بالطويلة وجدت عملاً في تصوير الأوراق في أحد الجامعات وذلك بعد انتهاء دوامي مباشرة حتى أنني أغلب الأحيان لا أتغدى حتى ألحق بعملي الجامعة ولا أتأخر. الحمد لله تزوجت و أنا في الصف الثالث في الجامعة و برغم انتقادات الناس للأهل: “كيف يتزوج و هو لا يملك دخلاً ثابتاً؟!!” ولكن الله وفقني حيث عملت بعد الزواج بأسبوع واحد فقط و ذلك في أحد المنظمات التي طلبت مني أن أقدّم دورة في صناعة الأحذية و الجلديات و الحمد لله توفر لي مبلغ للدراسة والأسرة . أتذكر موقف لن أنساه و هو أن الجامعة التي كنت أعمل فيها قالوا لي: بمجرد تخرجك ستكون وظيفتك موجودة .. وفعلاً بفضل الله قدّمت امتحان التخرج في الصباح وفي الظهر و كنت في العمل، كان هذا العمل في البداية عبارة عن تصوير و إتلاف أوراق في كنترول الجامعة، و بعد سنة عملت في إخراج و طباعة الامتحانات في جهاز الكمبيوتر، ثم بعدها عينّتُ عضواً في لجان الامتحانات، و بعدها رئيساً للجنة الامتحان، ثم مسئولاً للكنترول لمدة ستة أشهر. في هذه الفترة قدّم رئيس قسم القبول و التسجيل استقالته فحلّ مكانه المسجل و تم ترقيتي إلى مسجل بعد ستة أشهر من التحاقي بالعمل. و بعد ثلاثة أشهر تقريباً تحصل رئيس قسم القبول والتسجيل على منحة خارج الوطن فأوصى بترقيتي إلى رئيس قسم و ذلك في أقل من سنة من التحاقي بالعمل. و لله الحمد بدأت أطور من قدراتي و مهاراتي و تنمية نفسي و انتقلت إلى عمل آخر بعد ثلاث سنوات في الجامعة , اشتغلت ثلاث سنوات كمنسق للعلاقات العامة و الإعلام، الآن أنا أعمل مسئولاً للعلاقات العامة في أكبر مؤسسة تنموية على مستوى اليمن: ” مؤسسة العون للتنمية “. أهتم بالأعمال التطوعية و خاصة في تنمية الشباب و الفتيات و أركز على بناء الشخصية السوية ذات الفكر الوسطي التي تفكر بعقلها و لا تهبه إلا لخالقها و تحب من حولها و ان اختلفت معه، أؤمن بالحوار و حرية التعبير .. وأسأل الله ان يديم النعمة و أن يلهمنا شكرها دائما. نصيحتي بأن نثق في الله أولاً و آخراً و من ثم في والدينا و خاصة الأم و أن يثق كل منا في قدراته فغيرنا لا يمتلكها …

4 Comments

  • حصة
    Posted 28 يونيو, 2013 at 10:36 ص

    “إن أطهر النفوس هي التي خَبرَتْ الألم فَسَعَتْ أن تُجَنِّب الآخرين مرارته”
    لـ عبدالوهاب مطاوع ..

    شكراً .. على هذه التجربة ..
    كانت تدوينتك استثناءً يا هادي .. لم يسعني أن أنتظر عشرين يوماً حتى أنشرها في منتصف الشهر الميلادي .. موعد نشر تدوينات الضيوف ..

    حروفٌ كهذه يجب أن لا تنتظر ..

  • هادي
    Posted 1 يوليو, 2013 at 10:55 ص

    ما كتب لن يضيع الله أجره و بركته لمن نشره و بين الفشل و النجاح شعرة
    ” و أما بنعمة ربك فحدث ” اللهم أدم نعمك علينا و استعملنا في طاعتك ولا تستبدلنا , بوركتي حصة

  • وليد محمود
    Posted 4 يوليو, 2013 at 4:51 م

    لكل مجتهداً نصيب وكما انة بارك الله فى هذة العائلة التى وافقت بك زوج بمجرد انك تكافح وأخذو بحديث رسول الله(ص)(خذوهم فقراء يغنيكم الله) صدقت يا رسول الله هذا هوا جزاءك ان الله لا يضيع اجر من احسن عملا

  • فارس
    Posted 15 أكتوبر, 2013 at 3:14 م

    استاذي العزيز هادي قابلتك اول مره في عام 2011 في جلسة نقاش خاصة لم اتصور في حياتي وجود اشخاص في تواضعك فقد اعتدت على وصفات التخوين و العمالة كلما اختلفت مع احد لكنك كنت الوحيد الذي طلب مني – رغم فارق السن الكبير – جلسة لنتحاور, و ربما لم اتفق كلياً ما تحدثت عنه لكن قيمة الجلسة بالنسبة لي التعرف على شخص مثلك.
    لم اعرف شيئاً عنك غير ما التمسته من الجلسة اليوم و بعد قراءتي هذه اصبحت الاستاذ هادي من جانب آخر غير ما اعرفه من الانشطه و المنظمات, سعدت كثيراً بقراءة هذه بارك الله فيك اتمنى لك من اعماق قلبي التوفيق و دمت فخراً بطيب خٌلقِك استاذي العزيز

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates