[١]
أخَذَتني الكتب المسموعة إلى دورات في التدرّب المهني أونلاين. استمعت إلى ما يقرب من 290 ساعة موزعة على ما يزيد على عشرين كتاباً صوتياً (في مدة ممتدة منذ أواخر 2019)، وأحببت التجربة، إذ يأخذك الكتاب المسموع إلى مادة مرتبة متكاملة في موضوع معين، والراوي يقرؤه عليك كأنما يقصّه (على خلاف البودكاست مثلاً، الذي ينحو نحو الأحاديث غير المنتظمة، غير المكتملة، أو غير المنهجية أحياناً).
تجربة السماع التي تحفظ أوقاتك وتملأ فكرك عن الانشغال بما لا يثمر ولا يغني كانت رفيقتي في مراحل عدة، وأوتيتُ – بفضل الله- من أرزاقها، وكشفت لي جوانب مما أحب وأكره في طرق التلقّي، وفي تقنيات حفظ الوقت، وتنظيم الأوراد (وسنحكي عن هذا لاحقاً).
[٢]
كنت أبحث عن مقطع يوتيوب لمقابلةٍ عن مقاربةٍ في العلاج النفسي اسمها Human Givens ، لمشاركته مع صديقة، فوقَعتُ في صفحة الموقع على قسم للتدريب المهني، يعرض دوراتٍ مسجّلة، وحية عن بعد، ودورات حضورية، تصفحت قائمة الدورات المسجلة، واخترت واحدة من أقصرها، كانت المادة تُعرض عرضاً واضحاً والشرح مفيداً، والمادة المرئية مُرتّبة ومُتقنة. أعجبتني التجربة، فاخترت بعدها دورة أخرى مسجّلة عن دورة حية عن بُعد أقيمت زمن كورونا.
تتناول الدورات موضوعات متنوعة، منها: القلق، والصدمة، والغضب والاكتئاب، ومسألة الوعي، والأخلاق، قوة اللغة في العلاج، وغيرها. تشكّل الدورات في مجموعها منهجاً منتظماً، وتمنح إذا استُكمِلت في مساراتها (حضوراً، وتدريباً، وعن بُعد) شهادة دبلوم. (لا أعرف إن كانت هذه خطّتي، لكني أعرف أني أحب المعرفة وأسافر -أكثر ما أسافر- إليها، وقد كنت تعرفت على هذا المنهج وأنا أبحث عن شيء آخر أثناء إقامتي في بريطانيا).
[٣]
يقول جو غرافين (أحد مؤسِسَي منهج Human Givens) في إحدى الدورات، رأياً معروفاً ومنقولاً: بأن خصائصك النفسية يتشكل شِقّها (٥٠٪ منها) من الجين، وشِقها الآخر من البيئة والمحيط.
وفيما يلي محاولة (ذاتية) للحديث عن بعض خصائص إنسان البحر!:
لم يكن الجد الأول يعرف، حين هاجر قبل مئات السنين إلى أرض لم يكن فيها كثيرُ معالمٍ سوى البحر، أنه يصوغ طينتنا.
يميل رجل البحر بمركبه إذا واجهته الرياح، يخفض رأسه أمام الموجة العاتية، حتى تمر، لا يصارعها. كأنما يهتدي سليقة إلى الصفات النفسية للمرونة -كما يهتدي النجدي إلى قواعد السوق-.
يعلمه رزقه الذي يتطلّبه من بطن البحر أن يطيل صبره، إذ كسبه منوط بالانتظار أكثر منه بالسعي وراء الأشياء فليس بينه وبين كسب يده من واسطة سوى كفّه والسماء.
يفرش ابن البحر بساطه لكل عابر، يلوّح للقادمين، يبتدئهم بالحديث، كأن حديثه قهوته، وإذا كان راكباً يدعوهم إلى طعامه، لا ليجيبوه ولكن ليمدّ إليهم بشاشته (يقول أهل مصر: “عزومة مراكبي”، يمدّها إليك صاحبها وهو يعلم يدك لن تتطاول إلى قِراه). تجد انبساطاً في أطباعهم ملحوظاً حتى في المناطق الساحلية في بلدان يُعرف عن أهلها تحفّظهم).
يسافر أهل البحر في جماعات، قلّ أن تجد بحّاراً يركب وحيداً، ولأن سفره يطول وتتنوع وجهاته فهو متهيِّئ للتجربة دائما، متطلّع لها، منفتح على ما لا يشبهه، لا يأنف التجارب لأنه لا يدري من أي جهات تجاربه يؤتى أرزاقه، فأنت إذا كنت في البحر فكل يابسة لك شاطئُ إقامةٍ أو سُوقُ منفعة.
[٤]
تهبك هذه الأرض، التي تقع على شاطئ البحر ميناءً، فرص التعايش، تأتي بالوافدين من جهات أخرى: من بطن الجزيرة، ومن أطراف الصحراء، ومن الضفة الأخرى من البحر، ليشهدوا منافع لهم، فيكتسب كل منهم شيئاً من طبع وتجارب صاحبه. كأن له رزقاً آخر تهبه إياه المخالطة مع الناس وهو يسعى في كسب رزق يده.
وإذا كان هذا موقعنا من التاريخ ومن الجغرافيا فواجبنا الطبيعي أمام هذا الإرث أن نحترم الاختلاف على هذه الأرض، فالميناء وطن المهاجرين إليه، يهبهم من فرص التعلم وعوامل النمو ما لا تهبه أرض لا ميناء فيها، وبقدر معرفة هذا الحق وصيانته وإيتاء واجبه تقوم الأرض بأهلها، ولا عذر لهم في التفاضل من جهة مناطق الترحال، إذا جمعتهم هذه الأرض وكانت لهم وطناً فكلّهم إليها مهاجر، ولكل واحد فيها بساط.
زاوية:
كان جدّاي كلاهما غواصاً، وكان جدّي لأبي (الذي فقد أخاه الوحيد في البحر) إذا سمع أغنيات البحر يرفع عصاه يتمايل طرباً لها، وكان جدي لأمي إذا سمعها سالت دموع عينيه، آلمته الذكرى وأشجته.
ممتنة لماء البحر في داخلي، تهبه نجد من يابستها فيستقيم طيناً. ممتنة للشراع يكشفك على الفضاء، وللهودج يواريك إلى الداخل.
رفّ:
هنا محاضرة قصيرة مجانية عن (بناء المرونة النفسية في مواجهة الضغوط)، أتحتُها مترجمة، في قناة المدونة على اليوتيوب، وهنا ملخص بالعربية للمحاضرة مأخوذ من شرائح لليوتيوب.
2 Comments
حصة
مقابلة مع خالي لمشروع مهتم بتوثيق الرواية الشفوية لتاريخ المدينة.