حدثتني صديقة درست في جامعة بيرزيت وتعمل أستاذة فيها أن عدد الطالبات في الجامعة (حيث تدرس، وفي عموم فلسطين) يفوق عدد الطلبة، حتى تبلغ نسبة الطلبة الذكور إلى الإناث -في القاعة الدراسية –السدس أحياناً.
سألتها إن كان ذلك راجع إلى نسبة الذكور في المجتمع (أو في الفئة الشابة منه)، فنفت، وقالت أن نسبة الذكور إلى الإناث في المجتمع متقاربة، مع وجود نسبة أسْر واستشهاد في الشباب.
وقالت إن ذلك راجع إلى نظرة قديمة عند الأسر الفلسطينية تُعلي من شأن تعليم البنات، تراه ضمانة –للفتاة وللعائلة– من نكبات الحياة في الأرض المحتلة، تعدّه ضرورة حياة هي آكد للبنت وأولى. فالأب الفلسطيني الذي “يسلّ لهم رغيف الخبز والأثواب والدفتر” -كما قال درويش-، أو: “يقطع من لحم حي” كما في لهجة نجد، يقدّم مصاريف تعليم ابنته على ابنه؛ ذلك أن الولد بإمكانه أن يمتهن أي مهنة، لكن الشهادة العالية صيانة للبنت أن لا “تنضام“. قالت أن هذه قناعة قديمة منذ جيل الجدات.
ذكرني هذا بسيدة يمنية في عقدها الثامن (من أسرة تجارية)، التقيتها قبل سنوات، وكنتُ إذْ ذاك أدرس الدكتوراه، وهي توصيني بإتمام دراستي، تشد على يدي –حقيقة لا مجازا-، تعيد وصيتها، كأنها ميثاق شرف، أو نذر مقدس لا كفارة عنه. وكنتُ أَعْجَبُ من ذلك منها.
ثم تأملت فبدا لي أن مجتمعاتنا كثيراً من الأحيان قد “تعكس الآية“، فتُربى البنت على التراخي في السعي فيما فيه سعي من أمور طلب العلم والرزق الطيب، وتدفعها إلى “السعي“ فيما هي أقدار محضة، لا سعي مؤثر فيها. وفي ذلك اعتلال في الفهم، واختلال في المعايير، وابتذال لمعنى السعي، وعطب في فهم قيمة العمل والحياة.
2 Comments