إلى هذه الصحراء ..
غير أمينةٍ على الوحي؛ تتخيّر منه ما تزيد به من سلطانها، فلا هي بلغت عزّ قريشٍ، ولا هي نالت شرف الاتّباع.
لم يكن العربي الذي وأد ابنته منطلقاً من مقتٍ لها، ولكنه كان ينطلق من خوف عليها وخوف منها، خوفه مِن عارٍ قد يلحق بأهلها من جهتها إذا قامت حربٌ فسُبِيَت ابنتهم.
فرضية غير محققة يستبقها بموتٍ محقق ليمنع احتمال حدوثها، وهو هنا يستبق الموت بالحياة، ليمنع ما قد يُحدث احتمالاً، من خوف أوعار.
هو هنا يستخدم سلطته في تقدير موقف من أمر مفترَض، تمتد سلطته المطلقة إلي حياة إنسان، وتتطاول مواقفه النفسية ومخاوفه المعلّقة بما قد يَحدث وقد لا يَحدث.
الإشكال هنا في بُنية السلطة؛ أن مخاوف إنسانٍ أو مواقفه النفسية، وتفضيلاته، تترقى لتملك قراراً في الإبقاء على حياة إنسان أو عدمها.
قابلتُ سيدة إنجليزية في بريطانيا، كانت تقطع مشوار ساعتين، مرة كل جمعتين، لتحضر الصلاة، وتحضر الإفطار الجماعي، وعندما حدَّثَتها سيدة خليجية عن الدين وأسهبَتْ، ردّت السيدة بصرامة إنجليزية لا ينقصها الأدب: “لا، لستُ مهتمة بمعرفة كل هذا، أنا هنا لأتعرف على دين ابني الجديد، لأدعمه بما أستطيع، وأهيِّئ له ما يحتاجه”.
وأهل الدين والخلق هنا، فيهم من يتخذ من بنيهِ زينةً، يتزيّن بها في المجالس، فيكون التزيّن بالابن أولى من اختيارات الابن في حياته.
وقد كان الوليد بن المغيرة -في الجاهلية- وقد آتاه الله عشرة من الولد، يُلبس أبناءه الحرير الأحمر، ويصفّهم خمسة عن يمينه وخمسة عن يساره، يتزين بهم في مجالس قريش. كانت المباهاة إذ ذاك، فيما أرى، بصرية ثم صارت اليوم إلى تمتد إلى أبعد من المظهر، مما لا يُرى، تتغلل في شؤون الابن وفي اختيارات حياته الأهم، من مِثل: اختيار الشريك، ومسار المهنة.
هل حدّثك أحدٌ عن المعنى من التكافؤ؟
أن يقطع أحدهم الطريق، على وعثائه، مع رفيق كفؤ، لا أن يتزيّن أحد بأحد.
ثم أنّ التكافؤ الذي شُرع ليكون ضمانة لاستدامة الزواج، صار هو أداة التفريق. يا للمفارقة.
المفاضلة في النسب في أصلها مفاضلة في الأخلاق، إذ هي مفاضلة مبنية على فرضية ثقافية اجتماعية تعقد تلازماً بين شرف النسب وعلوّ الأخلاق، ثم صارت مفاضلة سياسية، ثم صارت طبقية محضة منفكة عن كل معنى خُلُقيّ.
** كتبتُ هذه السطور، مفرّقة، حين قُتلت امرأة، آمنة في بيت زوجها، حامل بجنينها الثاني، على يد شقيقها، لزواجها ممن كان وليّها في زواجها منه والدها. – الله يرحمها-.