Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

(فضائل فكرية للحياة اليومية)

النص مترجماً:

ما يجعل للتفكير الجيد أهمية معتبرة

نيثان كنج

إنه اليوم الثالث من مقرر (التفكير الغربي) الذي أدرّسه – اليوم المخصص لأرسطو. حييت الطلاب بينما هم يأخذون مقاعدهم؛ كانوا يجهزّون أجهزتهم اللوحية، ويُصمتون أجهزة الهواتف. تظاهرت بالتجهم، وأعلنت لهم: “لدي خبر لا يسر”، تساءلت ما الذي يدور في خاطرهم، هل سيتساءلون: هل هناك اختبار قصير مفاجئ؟ هل هذا تمرين لـ”كسر الجليد” (لكسر الرتابة)، سحبت عن قلم اللوح غطاءه وألقيت عليهم الخبر: “كلكم سوف يموت”، جلسوا في صمت، مشدوهين مشوشين. حاولت تخفيف حدة التوتر بابتسامة مائلة (فيها شيء من السخرية)، فبدت قهقهات، بعضها  حقيقي وبعضها مصطنع. سرتُ نحو اللوح: “فلنتحدث عما تريده في ترجمة نعيك”.

كان التمرين مبتذلاً مكروراً، شيئاً ما، ولكن الطلبة كانوا راغبين متلهفين على المشاركة. بدؤا يعبّرون طوعاً عما يحبون أن يذكرهم الناس به: لقد كانت صادقة؛ لقد كان متواضعاً؛ كانت تحب أصدقاءها وعائلتها؛ كان طيباً مع الغرباء؛ كانت شجاعة؛ لقد تغلب على العقبات؛ كانت عطوفة؛ وما إلى ذلك. لقد أجريت هذا التمرين مرات عدة، وفيما عدا أن يكون مازحاً، لم يذكر أحد الغنى، أو الشهرة، أو الذوق الرفيع في الأزياء، أو حسن المظاهر، أو العلامات المرتفعة في الدراسة، فيما يحب أن يذكره الناس به.

ولا تخطئ المناقشة أن تصل إلى النتيجة نفسها دائماً: في نهاية المطاف، لشخصية الإنسان أهمية كبرى.

شعرت بوخزة في الضمير لإلزامي طلابي بهذا بهذا التمرين، ولن ألومهم لو أنهم امتعضوا مني، فالتمرين بغيض شيئاً ما. ونحن -في هذا المجتمع- ندفع للأطباء بسخاء لكي يبعدوا عنا المرض والموت. وندفع للرياضيين والممثلون أكثر من ذلك ليساعدونا على أن ننسى الموت برمته. وهاأنا ذا، الفيلسوف، أُجبر طلابي على أن يفكروا بما يؤثر عنهم عند موتهم. فليس عجيباً أن يكون دخلي متواضعاً إذا ما قورن بأولئك الأطباء، والرياضيين، والممثلين.

لم هذا التمرين المؤلم؟ لأن منظور الحياة يعيننا أن نرى بوضوح ما الذي يهم في الحياة. وفي اللحظة التي يهيّأون فيها على التركيز على ما له أهمية حقاً، يبدأ الطلاب بفهم أن  امتلاكك شخصية حسنة، هو أمر مركزي لأجل أن تعيش حياة حسنة، الأمر الذي أشار إليه أرسطو قبل أكثر من ألفي عام.

هذا الكتاب عن الشخصية – الشخصية الفكرية. كلنا نعرف الفضائل الأخلاقية – الصفات: مثل العدل والشجاعة والتواضع. وتلك الفضائل ومثلها هي ما تصوغ شخصية الإنسان حَسن الخلق، وهي ما يميز بين شخص رفيع الخلق، وآخر  متوسط الخُلق.

ولكن ثمة أمر من السهل إغفاله: لكل منا شخصية أخلاقية، ليس ذلك فحسب، بل له أيضاً شخصية فكرية. ففيما يتعلق بتفكيرنا، قد نكون شجعاناً فكرياً أو جبناء، وقد نكون متواضعين فكرياً أو جهلة، وقد يكون لدينا تطلع للمعرفة أو عدم أبهٍ بها، وما إلى ذلك.

سينصب تركيزنا في الصفحات القادمة على الفضائل الفكرية. ثمة خصائص مائزة للمفكرين الأذكياء، حيث يتعدى -هذا النوع من التفكير-: حصول الحق، والمعرفة، والفهم إلى: حفظ تلك المعرفة ومشاركتها. وعلى أهمية الفضائل الأخلاقية، فلن تكون هي مركز العناية، بل سيكون هدفنا أن نستكشف ما الذي يعنيه أن يكون لك عقل ذكي – عقل متطلع للمعرفة، معتنٍ بها، قائم بذاته، متواضع، واثق، أمين، دؤوب، شجاع، منفتح، حازم، منصف، معطاء. في الفصول الآتية، سننظر: كيف تتمظهر تلك الفضائل، وما أهميتها، وكيف يمكن أن نكتسبها.

ثمة نقطة جوهرية هنا: بغض النظر عن مسماها، فليست الفضائل (الفكرية) حصراً على الباحثين، والأكاديميين، أو غيرهم من أرباب الثقافة. وإلا لما كان أصحاب العقليات العملية منا هم من قرروا -قراراً منطقياً- بالتركيز على الفضائل الأخلاقية، وأن يتركوا الفكري من الفضائل مستريحاً على رفوف الكتب.

المصدر: 

King, N. L. (2021) The Excellent Mind: Intellectual Virtues for Everyday Life. Oxford University Press. pp 3-4


أنوي التحضير لتأدية اختبار في الترجمة يمنح شهادة مهنية عليا، ويتطلب ترجمة مقالات قصيرة في موضوعات عامة، أو متخصصة جزئياً (في الأدب والعلوم الاجتماعية). وعلى سبيل التدرب على الاختبار اخترت ترجمة أجزاء من كتاب The Excellent Mind: Intellectual Virtues for Everyday Life– (العقل الذكيّ: فضائلٌ فكرية للحياة اليومية)، من منشورات جامعة أكسفورد (2021). 

وسأنشر الأجزاء هنا تِباعاً، مدفوعة للتحسين بشعوري أن عين قارئ ستقرؤها. غير أن هذه النصوص ستترجم في ظروف قريبة من ظروف الاختبار (ومنها: التقيد بوقت محدد لترجمة كل نص).

فإن رأيت أن تمرّ عليها بعين الفاحص فبين يديك الإيميل لإبداء الملاحظات والتنبيهات.


زاوية:

ليست “اختيارات المرء قطعة من عقله”، أو أنها لم تعد كذلك.

هوّن عليك.

أنت تقتبس لأجل شروط النشر في المجلات العلمية – تقيّدك بنطاق من المصادر (كأن تلزمك بالاستعانة بكتب حديثة)، أو لأجل التداول في الفضاء؛ متأثراً بسطوة الرواج، أو بتوجهات الأقران.

أو تقتبس شيئاً فيه ملمحاًً لطيفاً، قد يعبّر عن نفسك (عن بعض سماتك النفسية) أكثر من تعبيره عن عقلك.


في العبارة تحت شعار المدونة: “أكتب – أترجم – أسولف”

هل فعلت هذا كله في هذه التدوينة؟ 

1 من التعليقات

  • غير معروف
    Posted 23 مايو, 2025 at 9:36 م

    فعلت :)

أضِف تعليقاً

للاشتراك في القائمة البريدية للمدونة

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates