Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

كيف تكفّ عن التسويف؟

هل تداوم على تأجيل إنجاز الأشياء، وأنت مدرك بأن عليك أن لا تؤجلها؟

امض فيها، وذلك بأن تفهم الجوانب النفسية للتسويف غير المنطقي.

 

  • وينديلين ڤانيرد*
  • ترجمة: د. حصة السنان
  • تحرير: الجوهره باوزير

 أهدي هذه الترجمة إلى الذين ينفثون في أرواحنا العزم

(المترجمة)

في الجامعة، يتحدث كثير من الناس عن تسويفهم؛ لعلهم سيقولون مازحين: “هل سمعت بمؤتمر التسويف؟ لقد أُجِّل..مرةً أخرى”. في المجتمع الأكاديمي، وفيما سوى المجتمع الأكاديمي، يُنظَر إلى التسويف على أنه عادةٌ سيئة يودُّ كثيرون لو استطاعوا أن يتخلصوا منها. وبغضّ النظر عن النوادر (النُكت) التي وُضِعت لها، يعاني بعض الناس، حقًّا من تسويفهم، ويجاهدون من أجل تنظيم حياتهم، ويقعون فريسةً لهذه المشكلة مرةً تلو المرة.

يمكن أن يصبح التسويف حلقةً مُفرغَة. إنَّ محاولة إنجاز أمر ما، ثم الإخفاق في تنفيذ ما عزمت عليه قد يشعرك بالإحباط والاكتئاب، وقد يؤدي بك هذا إلى تسويف أكثر. تُوكِّد الأبحاث في التسويف على أنَّ له صلة بمحصِّلات سلبية؛ ذلك أن أولئك الذين يميلون إلى تسويف أكثر، يكون رضاؤهم عن حياتهم أقل، وإنجازهم  أقل، وصحتهم أضعف.

وعلى أن الناس يتحدثون كثيرًا عن التسويف، فقد تكون ثمة اختلافات معتبرة فيما يقصدونه بهذا المصطلح. يميِّز علماء النفس ممن درسوا هذا المصطلح مثلي، تميُّزًا مهمًّا: التسويف هو نوع من التأخير، لكن ليس كل نوع من التسويف تأخيرًا. وقبل أن نتناول الطرق التي يمكنك بها أن تقلل من تسويفك، من المفيد أن نفهم هذا الفرق، وأن ندرك متى يكون تأخيرُك مهمةً وليس تسويفًا. على سبيل المثال، قد تحتاج أن تُؤخِّر بعض الأعمال بسبب تغيير مفاجئ طرأ عليك، أو لأنك ببساطة لا تستطيع إتمام كل شيء في الوقت ذاته، فقد تؤخر عملًا حسبما يتناسب مع جدولك أكثر. ومع أن هذه الأمثلة متعلقة بتأجيل لأمر ما، فإن ذلك لا يعتبر تسويفًا من وجه نظر علماء النفس.

فرق آخر ذو أهمية خاصة في التفريق بين “التأخير الإستراتيجي” المدروس، والتسويف؛ وكثيرًا ما يخلط الناس بينهما: التأخير الإستراتيجي ينطوي على تأجيل متعمَّد لمهمة في سبيل اتخاذ ضيق الوقت الناتج عن هذا التأخير عاملًا دافعًا للإنجاز. يدافع كثير من الناس عن هذه الإستراتيجية، يقولون أنها تؤدي نتائجها عندهم، بل أنَّ بعضهم يدّعي بأنها هي الطريقة الوحيدة التي يستطيعون بها إنجاز الأشياء، فإنهم بالضغط الناتج عن تأجيلهم للأشياء، يشعرون بأنهم متحفزون للعمل بجد أكثر. ولكن تلك إستراتيجية محفوفة بالمخاطر، ذلك أنك قد يفلت منك الوقت، كما أنها تستهلك كثيرًا من الجهد، وقد تؤدي إلى انتكاسة في الأداء بعد حلول الموعد النهائي لأداء العمل وتسليمه؛ إذ تشعر بأنك مُنهك. علاوة على ذلك، لا يوجد الكثير من الأدلة لإثبات على أن هذه الإستراتيجية تؤدي نتائجها إذا ما قارنتها باتباع خطة هي أكثر توازنًا موزعةً على مدى الأيام.

إذا تبيًّن ما سبق؛ يمكن القول بأن التسويف لا يزال أقرب إلى قلة الرشد والمنطقيَّة من التأخير الإستراتيجي؛ لأن من يختار أن يؤخر مهمة سيكون على وعيٍّ تام بأنَّ تأخير مهمة سيكون له عواقب سلبية، ومع ذلك يختار تأخيرها[1]. هذا محيّر من منظور علم النفس. على سبيل المثال، يؤجل أحدهم تسجيل ما عليه من الضرائب، حتى وإن كان قد عزم عدة مراتٍ على أن يقوم -أخيرًا- بتسجيلها، وهو مدرك تمامًا بأن قيامه بهذا خيرٌ له وفي مصلحته ومع ذلك لا يقوم به. وبدلًا من ذلك، يبدأ بمشاهدة المسلسل التلفزيوني المفضل له، لعله يظن أنَّ بعد مشاهدة حلقة من المسلسل، سيرغب بأن يقوم ما قد أخّره، غير أنَّه حين تظهر الحلقة التالية على الشاشة يبدأ بمشاهدتها وبعد ذلك، يقول في نفسه: “لقد تأخَّر الوقت الآن كثيرًا، غدًا سأشعر بهمّة إلى تسجيل الضرائب”، ثم يذهب إلى الفراش. يُوصَف هذا النوع  من التأخير بالتسويف؛ عندما تكون هناك فجوة جليًّة أو تفاوت كبير بين ما عزمت عليه وما تقوم به من فعل، وأنت تشعر بأنك غير قادر على أن تتغلب على هذا.

التفسير النفسي لهذا السلوك الشائع وغير المنطقي هو أنك بتجنبك ما تشعر به من انزعاج يستصحب قيامك بالمهمة، يمنحك التسويف شعورًا مؤقتًا بالراحة أو مهربًا. قد لا تُنجَز المهمة، ولكن على الأقل قد تجنبتَ مواجهة المشاعر السلبية المتعلقة بثقل القيام بها. تدفعنا الأشياء الأسهل والأكثر إمتاعًا على أن ننصرف ولو لبعض الوقت عن القيام بما علينا القيام به، وتلك هي المشكلة الأساسية: التسويف هو سلوك تجنُّب. إنه تجنُّب شيء من المكروهات مما يَثقل على النفس القيام به، تتجنبه بأن تُشغل نفسك عن التفكير به، بالقيام بأمر آخر هو متاح لك الآن بدلًا مما عليك فعله، دون أن تحسب حسابًا للمستقبل. يمكن النظر إلى هذا على أنه تعارض بين ما تريد أن تقوم به الآن، في مقابل ما يتوجب عليك القيام به في مستقبلك، باختصار: تلك هي مشكلة انضباط ذاتي.

وبطبيعة الحال، قد يستخدم الناس التأخير الإستراتيجي والتسويف كليهما في حالات مختلفة حسب العمل المخصوص. الفرق الرئيس بينهما يكمن فيما ينطوي عليه التأخير ويستصحبه من شعور المماطلة غير المجدية؛ ذلك بأن يضغط المرء على نفسه من أجل تحقيق هدف، وأن يكون التأخير غير منطقي يناقض به المرء  نياته (وما عزم عليه) أمر آخر.

هناك فكرة شائعة عن التسويف تتمثل في القول بأن ما يدفعنا إلى التسويف هو الخوف من الفشل، ولكننا نعرف أن الخوف ليس وحده ما يؤدي إلى التسويف. أي شيءٍ من مكروهات النفس مما يثقل عليها  يمكن أن يدفع إلى التسويف: الملل، الاستياء، المشقة، عدم  الرضا، عمليًّا أي شيءٍ تشعر تجاهه بشعور سلبي في ذهنك. ويوشك أن يكون كلنا قد جرّب أن يكون عليه القيام بأمر لزامًا، وقد كان يريد تجنبه. ومن أمثلة الأمور التي تسبب لك شعورًا بالانزعاج: الدراسة لاختبار، الإبلاغ عن خبر سيئ، دفع ضرائب، أو إعادة تنظيف شيء كنتَ قد أتممت تنظيفه للتو، وبدلًا من القيام بهذه الأعمال، فإنك قد تتصفح الخط الزمني لأحد برامج التواصل الاجتماعي في هاتفك، وتُشغِل أفكارك، راضيًا مختارًا بأمر آخر غير الذي عليك القيام به، من صفحة إلى الأخرى، وبذا تكون قد أخّرت ما أنت محتاج للقيام به.

وللأسف، فإن تجنبك القيام بعمل لازم أو ضروري لن يُذهِب بالعمل أو يلغيه، فلا يزال عليك القيام به طبعًا، التسويف إذن هو طريقة للتأقلم قد تساعدك على أن تحسّن من شعورك بعض الوقت، ولكنَّها ليست حلًّا. تلك الأنشطة التي كنت تقوم بها بدلًا مما ينتظرك من عمل، هي في الغالب لا تُحسِّن من شعورك على المدى الطويل، لم تكن ًتلك إلا مشتتات مؤقتة وسهلة، وليست نشاطًا منتِجًا، أو شيئًا مما يشعرك بالفخر، أو بالإنجاز، أو على الأقل شيء جدير بالوقت الذي أنفقته فيه.

قد يتجاهل بعض الناس هذا، لكن هناك آخرون قد يسبب لهم هذا السلوك قلقًا شديدًا وتخوّفًا؛ إذ يشعرون بأنهم قد أضاعوا أوقاتهم. ولهذا كان التسويف سببًا يؤدي إلى كثير من المشاعر السلبية، مثل شعور المرء بأنه مذنب، أو خَجِلٌ من فعلته، أو قَلِقٌ، أو مكتئب. إدراكك بأنك لم تتم مهمة ذات أهمية كان عليك إتمامها قد يسوء بمرور الوقت، ثم إذا ما تأخرت أكثر قد يصعب الأمر عليك إذا ما أدى بك هذ التأخير إلى ما لا يمكنك إصلاحه (كأن يفوت الموعد النهائي للتسليم).

إذا كنت تجنح إلى التسويف، وعرفت من نفسك اتصافك بهذه الصفات، فإن مما يبشّر أن هناك طرقًا عمليَّة فعالةً لتبدأ بالتغيير، وسيوضح لك هذا الدليل الطريقة.

استخدم تقنيات إدارة الوقت

إحدى الطرق الواضحة لمعالجة التسويف هي أن تبدأ بإدارة وقتك إدارةً أفضل – أن تستعرض ما عليك القيام به من المهام وتجعلها مكتوبة بين يديك، اجعل لك قواعد ترتب بها هذه الأعمال حسب أولويتها، وخطط لطريقة كيف تقضي وقتك فيها على نحو مُنتِج. وعلى أن هذا لن يعالج ما تشعر به من انزعاج، أو محاولتك أن تتجنب للقيام بهذه الأعمال (لن يعالجه مباشرة) ولكنه يمكن أن يؤدي دورًا وقائيًّا. عندما تزيد من شعورك بأنك تملك نفسك، سيُسكن هذا من شعورك، وهذا من شأنه أن يقلل من شعورك بالحاجة إلى التسويف.

ثمة مخاطرة في أن تنشئ جداول لإدارة الوقت، ذلك أن انكشاف ما عليك أن تؤديه من المهام قد يبعث على الخوف المربك، وبأنك مثقل بأعباء كُثر. لكي تتجنب هذا، عندما تنشئ قائمة بكل الأعمال التي عليك إكمالها، احرص على ترتيب هذه المهام حسب أولويتها في جدول زمني (لا يمكنك القيام بكل شيء في وقت واحد طبعًا) أكثر ما يهم هنا، أن تحرص على أن تنفذ خطتك.

قد يكون هذا الجزء الأخير أي إنجاز الخطة هو الأكثر إشكالية. أنصح بأن تبدأ بالمهام الصغيرة، وأن تعمل على إنجازها بطريقة صارمة: ضع إطارًا زمنيًّا قصيرًا، خذ استراحة، ثم سجل كم من الأعمال قد أتممت (أو إن كان العمل قد أخذك إلى غيرها من الأعمال). فلنقل أنك قد اخترت أن تشتغل في مقال لمدة خمس عشرة دقيقة، إذا كنت قد نجحت في أن تنفق هذا الوقت منكَّبًّا على  مهمتك هذه، حينها يكون بوسعك أن تقرر مضاعفة مدة الجلسة في المرة القادمة. الهدف من هذه الطريقة هي أن تعرف أي من الأهداف يمكنك تحقيقها، بدلًا من أن تضع قدرًا يثقلك من الأعمال ثم يثنيك عن مجرد البدء به.

قد يكون هذا النهج في تحديد المهام الصغيرة لنفسك مفيدًا، وخاصةً للمشاريع طويلة الأمد، التي لا تحدَّد فيها مواعيد مرحلية لتسليم أجزاء من المشروع، في هذه الحالة، قد يبدر لك كثير ما يشغلك من الأمور التي تتطلب إنجازها في الوقت الحاضر، وقد يصرفك هذا عمَّا أنت محتاج لإنجازه للمستقبل. (أفكر على سبيل المثال في الذين يعملون لحسابهم الخاص، ممَّن تتطلب طبيعة عملهم أن ينتجوا منتجاتهم الخاصة على مدى نطاق زمني ممتد وغير محدد).

أحد أوجه القصور الجديرة بالانتباه في إدارة الوقت هي أن إدارة الوقت منطقيَّة ومعرفيَّة، فهي لا تزود بما يعين على التغلب على تجنب القيام بالأعمال والانصراف عنها، ولا كيف تتعامل مع شعورك بالانزعاج من الشيء الذي يسبب التأجيل. ومن ضمن الطرق التي يعالَج بها السبب الجذري للتسويف: الانضباط الذاتي الشعوري، التيقظ الذهني، وأن تركز على نقاط قوتك وتؤسس  بها عادات/ سلوكيات جديدة، كما أنَّ هناك طرقًا أخرى علاجية، سنأتي بها لاحقًا.

حدد ما الذي تتجنبه

التسويف هو تجنبٌ ناشئ عن الشعور بالانزعاج. الأعمال التي تستجلب التسويف متفاوتة عند كلٍّ منا، الإبلاغ عن خبر سيئ قد يكون مهمة صعبة على كل أحد، ولكن بعض الناس يجد صعوبة كذلك في واجب شراء هدية أو الاتصال بصديق. إذا لم تكن متأكدًّا ما الذي يدفع بك إلى التسويف، حاول أن تسجل ملاحظاتك أسبوعًا أو يزيد في مفكرة يومية، لكي يساعدك هذا على أن تكون أكثر وعيًا بما يدفع بك إلى التسويف.

نحن لسنا -على كل حال- على معرفة واعية بمشاعرنا، يمكنك استخدام مفكرتك اليومية لتتبيَّن وتحدد ما يجعلك تشعر بشعور سيئ، قد تجد نمطًا من هذا الشعور مرتبطًا بنوع من الأعمال والمهمات الإلزامية التي من شأنها أن تدفع بك إلى التسويف. كثيرة هي الأشياء التي تخلق شعورًا بالانزعاج، مثل خوفك من أن تخذل أحدًا (أو تخيِّب أملًا)، أو ظنك بأن عملًا ما سيشغلك حتى لا يترك لك فسحة تتروح بها أو ترفه عن نفسك، أو شعورك باستياء من أن يتعين عليك أن تتم مهمة كان يجب على غيرك إتمامها، وبهذا يمكنك أن تعرف على وجه التحديد أي الحالات تنطبقعليك.

إذا تعرفت على أيِّ نمطٍ يدفعك إلى التسويف، لربما أمكنك عمل شيء نافع حياله. على سبيل المثال، يمكنك أن تفوض شخصًا آخر لأداء عمل إلزامي كان يتوجب على غيرك أن يتمه ثم أحيل إليك، أن تنظم الأعمال بطريقة مختلفة، أن تستعين بمن يساعدك. وبدلًا من أن تتجنب القيام بالأعمال، لعل بوسعك إيجاد حل عملي لتنفيذ ذلك العمل.

وللأسف، فإن وعيك بأنك تتجنب القيام بالأعمال، ومحاولتك أن تجد حلولًا فيما هو خارج ذاتك، في غالب الأحيان ليس كافيًا للقضاء على التسويف. في بعض الأحيان تعرف بأن عليك ألَّا تتجنب مهمة، ومع ذلك تؤجلها مرارًا. ومما يزيد على ذلك أنك في كثير من المهام، أنت الشخص الوحيد القادر على القيام بها، وقد أقررت بذلك ولكنك لم تقم بها! للتقدُّم، عليك أن تواجه ما تتجنبه من الأعمال.

واجه ما تتجنبه من الأعمال

لكي تقضي على التسويف، أنت محتاج إلى أن تمضي في نقيض ما تميل إليه نفسك، لعل بوسعك أن تتحمل من المشاعر المزعجة أكثر مما تظن. خذ الأمور تدريجيًّا خطوة بخطوة، ما تتجنبه قد لا يكون ثقيلًا بالدرجة التي توقعتها. وعادة ما يكون القيام بشيء من العمل ولو كان يسيرًا مُعينًا.  فإنك بمباشرة جزء يسير من العمل الذي تتجنبه تُحدث فجوة تكسر بها حاجز التجنب، يدرك كثيرون بأنهم إنما تجنبوا كثيرًا من الأعمال لمبالغتهم في تقدير مدى صعوبتها وثقلها. فإن استطعت أن تبدأ، فتلك هي خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح، تساعدك في أن تشد من عزمك لخطوة تالية، افرح بأنك تجنبت أن تتجنب القيام بالأعمال، واحتفل بإنجازك بأنك قد بدأت العمل.

للقيام بتلك الخطوة الأولية، قد يساعدك أن تتوقف قليلًا وتُقيّم إمكانياتك (قد تُذكّر نفسك -على سبيل المثال- بإنجازاتك السابقة) من جهة، وبمخاطر التأخير أو تكاليفه، من جهة أخرى. كن رحيمًا بنفسك، بدلًا من أن تغلظ على نفسك وتكرهها لأنك لم تقم بعمل ما، انظر كذلك إلى ما أحسنتَ في إتمامه من أعمالك حتى الآن، أو انظر ما الذي تستطيع أن تُحَسِّنه من عملك في المرة القادمة، من دون أن تغلّظ في حكمك على نفسك. وهذا لا يعني أن تجد أعذارًا بأن الحال كانت سيئة جدًّا أو أنَّ آخرون جعلوك تفعل هذا؛ بل تحمل مسؤوليتك، وحاول أن تأخذ رأيًا من شخص آخر ممن يعنيه أمرك. استفد مما تعلمته من تجربتك هذه التي كنت تتجنب فيها القيام بالأعمال، وانظر ما الطريقة التي يمكن أن تصلح لمعالجة هذا التجنب للمرة القادمة. ثم إذا كنت مهتمًّا بأن تتعلم بدلًا من أن تنجز عملًا وحسب، فإن ذلك قد يسهل عليك بأن تتقبَّل أنَّ النجاح قد لا يأتي إلا بعد محاولات من الإخفاق.

اضبط مشاعرك

ثم إنَّك إذا واجهت ما تتجنبه وبدأت بالمهمة فسيمكنك، حينئذٍ أن تعمل على التحسين من مزاجك أثناء قيامك بتلك المهمة التي لا ترغب بالقيام بها، أو تخشى القيام بها. في بعض الظروف، إذا ما كانت المهمة التي يلزمك القيام بها لا تتطلب كامل التركيز، مع كونها مملة أو غير مرغوبة، يمكنك أن تأتي بوسائل تجعلها أقلّ ثقلًا…

يمكنك أن تضبط مشاعرك بطرق مختلفة إذا ما كنت واعيًا بها. ولا يقصد بهذا هذا أن تقلل من التأثير السلبي وحسب، كما في المثال أعلاه، بل يقصد به أنك بإمكانك أن تزيد من التأثير الإيجابي، بأن تحاول أن تجد وسائل تجعل القيام بالعمل تجربةً أكثر إيجابية. إحدى التلميحات (الطرق البسيطة) هي أن تُذكِّر نفسك بأن النشاط مشوار للوصول إلى هدف. وقد يكون هذا الهدف جدير بما تواجهه في سبيله فتتحمّل القليل من المعاناة.

عادةً ما يشعر الناس بأنهم وحيدون في مقاومتهم لتجنب الأعمال، فلا تظن بأنك الوحيد الذي يواجه التسويف، ومما يُسهّل عليك هذا الأمرَ أن تتلقى مساندة من آخرين، و لعلك تتمكن من أن تدفع آخرين وتشجعهم على مواجهة تسويفهم معك، في جهد جماعي مشترك.

ماذا لو أنك حاولت كل ما ذكر هنا، ثم مازلت تواجه هذه المشكلة؟  حسنٌ، إحدى الأفكار المريحة هي أنه قد يكون ما تحاول أن تلزم نفسك به وتجاهدها عليه غير ضروري أو لا يستحق ذلك في الواقع[2]، أو ربما كانت الإجابة الصادقة هي أنك لست مُؤهلًا لإتمام هذه المهمة. كن واقعيًّا. قد يكون ما بين يديك من الخيارات أكثر مما تعتقد. قد يحرص الناس أحيانًا على أن يكونوا مثاليين في أعين الآخرين. ما الذي يجعلك تقوم بهذه المهمة الفظيعة؟ هل هناك مهام أخرى تناسبك أكثر؟ التخلي عن المهمة قد يكون خيارًا متاحًا وانعتاقًا. كن واعيًا بدواعي قراراتك.

قد يكون التسويف علامة تشير إلى مشكلات أعمق.

أخيرًا، يجدر بك أن تعي بأن تسويفك يحتمل أن يكون علامة تشير إلى سلوكٍ من التجنب يتسع نطاقه إلى حدٍّ مُشكِل، يمكنك العمل على معالجته. إذا كنت لا تسوّف فحسب بل وكذلك تتجنب أمورًا كثيرة في الحياة  من العلاقات المقربة، وحتى الترقيات الوظيفية، فإن من المحتمل أن يكون تسويفك نمطًا سلوكيًّا يستبطن كثيرًا من قراراتك، وقد تكون مسبباته لها جذور عميقة. إذا أدركت هذا النمط من السلوك، وعرفته عن نفسك، فيحسُن بك أن تسعى للاستعانة بمختص يساعدك على أن تغير من أفكارك ومشاعرك وسلوكياتك، وأن تعيد صياغتها، باعتياد عادات جديدة والانتظام فيها. وقد يكون اتباع منهج علاجي مع متابعة مكثفة مناسبًا لمثل حالتك. هناك معالجون متخصصون في مساعدة الناس على التغلب على التسويف، وعلى التجنب بوجه عام.

نقاط أساسية:

  • التسويف مرتبط بالتأخير، ولكن ليست كل أشكال التأخير تسويفاً، وبوجه خاص ‘التأخير الإستراتيجي‘ (تعمَد التسبب في ضيق الوقت واتخاذه وسيلة للتحفيز)، الذي غالباً ما يُخلط بينه وبين التسويف.
  • التسويف هو ما يحدث عندما تكون قد قررت أن من مصلحتك أن تتم مهمة ما الآن، ومع ذلك تستمر في تأجيلها لما يسببه لك القيام بهذه المهمة من انزعاج شعوري.
  • تقنيات إدارة الوقت يمكن أن تساعد في توليد مشاعر تحكّم، وذلك يساعد في منع الانزعاج الشعوري الذي يسبب التسويف.
  • لكي تقضي على التسويف حقاً، ستحتاج إلى أن تحدد ما الذي تتجنبه، وأن تواجه الانزعاج الشعوري، وكثيراً ما سيعنك  أن تبدأ بخطوة صغيرة، لتكتشف أن الانزعاج ليس بالقدر الذي كنت تتهيب منه.
  • وحين تبدأ، مما قد يساعدك على التعامل مع الانزعاج الشعوري هو أن تجعل المهمة أكثر إمتاعاً، وأن تذكّر نفسك بالغاية منها، وأن تقلل من مشقتها.
  • إذا كنت حقا لا تستطيع أن تبدأ، فإنه يجدر النظر في إذا ما كنت محتاجاً فعلاً لإتمام هذه المهمة. في بعض الأحايين يكون التخلي عن المهمة خياراً، وقد يكون انعتاقاً.
  • من المهم النظر في احتمال أن يكون التجنب عميق ومتأصل، وإن كان كذلك، فقد يُنظَر في إمكانية أن تستفيد من مساعدة مختص.

ماذا لو كان التسويف جزءاً من تكوينك

للتسويف صلة وثيقة بسمة من السمات الشخصية تعرف بالضمير الحي conscientiousness (أحد أبعاد السمات ‘الخمس الكبار‘ للشخصية). إذا كان التسويف جزءاً أساسياً من شخصيتك، فإن هذا قد يدل على أنه جزء ثابت نسبياً من تكوينك، ولذا، فقد يشك البعض في أن التسويف يمكن التغلب عليه.

على سبيل المثال، تشير بعض الأبحاث إلى أن الطلاب الذين كانوا يتجنبون المهام أثناء دراساتهم، كانوا أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي في مرحلة مبكرة من حياتهم المهنية. وثمة أيضًا بعض الأدلة على وجود مكون جيني للتسويف، وعلى وجود أساس عصبي للتسويف. ومع ذلك، على الرغم من هذا ، فهناك عدة أسباب تدعو للتفاؤل بشأن إمكانية التغلب على مشكلة التسويف المزمنة.

أولاً ، يُظهر التحليل الاستخلاصي meta-analysis الذي كتبته أنا وكاترين كلينجسيك، أن عوامل التدخل التي تستهدف ]القضاء [على التسويف ، من مِثل الإرشادات الموضحة في هذا الدليل ، قد ساعدت أشخاص، بعد استخدام عوامل التدخل هذه مباشرة، على أقل تقدير. وبينما كانت القياسات التي تؤخد بعد استخدام عوامل التدخل ]تشير إلى تأثيرها[،  فقد بقيت آثارها المفيدة ]التي لم تسجل[حتى بعد عدة أشهر.

لقد قارنَا أنواعًا مختلفة من التدخلات: تلك الموجهة توجيهاً أكثر إلى إدارة الذات، وأنواعاً أخرى تركز على بناء الثقة، والكفاية الذاتية (إيمان المرء بقدراته)، والطرق العلاجية (التي تعتمد على العلاج السلوكي المعرفي – أو ما له صلة بالعلاج المعرفي السلوكي من المناهج التي تستهدف معالجة الأفكار غير المنطقية التي يتغذى عليها التسويف). لقد وجدنا أن أسلوب العلاج المعرفي السلوكي كان له التأثير الأقوى. وقد يدعم هذا الفكرة التي تقول بأننا يمكننا أن نغيّر أفكارنا، وأننا، بفعلنا ذلك، يمكننا أن نغيّر من سلوكنا.

كنا قد توقعنا وجود اختلافات في الأثر، وفقًا للمدة الذي يقضيها الأشخاص، أو لمدى كثافة التدخل، ولكن لم يكن الأمر كذلك. وربما، يكون توجيه الانتباه إلى التسويف، والوعي به، وفعل أي شيء لمواجهته، ربما يكون ذلك قد مكّن أغلب الأشخاص أن يفعلوا شيئًا مفيدًا. إن قلة عدد الدراسات وكون مقارنتها صعبة، قد تسبب في أن تكون استنتاجات دراستنا مبدئية؛ ومع ظهور مزيد من الدراسات، من الوارد أن تتغير رؤيتنا لما نراه الآن أكثر العوامل فائدة.

ثانيًا، مؤشر آخر على أن الناس يمكن أن يتغيروا: هو أن الأشخاص الأكبر عمراً أقل ميلاً إلى التسويف. قد يشير هذا إلى أهمية التعلم، إذ يصبح المرء أكثر خبرة وثقة في مهاراته. ولعل التعجيل بتعلّم هذا ممكن، إذا أنت بذلت جهدك في أن تكون منفتحاً على التغيير؛ وتلك عقلية تساعد المرء على أن تصبح شخصًا مختلفًا. يفسر بعض الباحثين التراجع الواضح في التسويف مع تقدم العمر، يفسرونه بتأثير الجيل. وإذ ترى كبار السن أقل ميلاً للتسويف، فإنهم يقولون أن الأجيال الشابة غير منضبطين، ولا يمكنهم تنظيم أنفسهم كما كانت الأجيال السابقة يفعلون. يقولون أن الأجيال الشابة أكثر عرضة للإلهاء، لأن كثرة وجود ما يشتتهم بسبب الإنترنت. ليس من إجابة قاطعة عن سبب قلة شيوع التسويف عند كبار السن – للإجابة على هذا السؤال بشكل قاطع ، نحتاج إلى مزيد من الدراسات المطولة التي تتعقب نفس الأفراد خلال حياتهم. أنا شخصياً أجد التفسير الأول لدور التعلم والخبرة منطقياً أكثر ، ذلك لأن الناس يمكن أن يشتتهم أي شيء ، حتى وإن لم يكن إنترنت.

ثالثًا، صحيح، كما ذكرت، أن عوامل الشخصية مثل الضمير الحي – التي لها صلة وثيقة بالتسويف – يُفترض أن تكون ثابتة نسبيًا مدى العمر، إلا أن هناك أدلة متزايدة على أن الناس قد تكون لهم قدرة على تشكيل شخصياتهم ليصبحوا كما يريدون أن يكونوا.

وبجهود الفرد وما يتطلبه الموقف، معاً، يمكن للناس أن يغيروا من شخصياتهم. مثلاً ، يمكن لمسؤولية جديدة يتولاها المرء في عمله، مثل دور قيادي يوكل إليه، يمكن لذلك أن يساهم في زيادة وعي المرء إتقان أدائه، مع مرور الوقت.

تشير الأدلة، مجتمعة، إلى أنه، وإن كنت تعاني من تسويف مزمن، وتشعر أنه جزء من طبيعتك، فهناك ما يدفعك إلى أن تتفاءل بأنك يمكنك حقًا التغلب، لصالح صحتك وعملك.

روابط وكتب

يحب الناس أن يسمعوا عن التسويف. في حديثه المشهور جداً في تيد، (ما يوجد بداخل عقل السيد المماطل) ، ‘Inside the Mind of a Master Provrastinator’ (2016) ، يقدم المدون تيم أوربان شرحًا لهذه الظاهرة ، مع أمثلة مثيرة للاهتمام، ورسوم متحركة ممتعة، عن عقل المماطل.

يقدم عالم النفس تيموثي بيتشل نصائح مفيدة عن التغلب على التسويف في هذه المقابلة عبر الإنترنت مع سلسلة Rebound Talks.

كتاب بيتشل (حل لغز التسويف) (2013) Solving the Procrastination Puzzle هو نص المساعدة الذاتية المفضل بالنسبة لي: قصير وعملي ، ومستند استناداً متيناً على البحث العلمي.

في مقال البي بي سي هذا، يلخص كريستيان جاريت، الذي يعمل في Psyche، يلخص بوضوح ما هو التسويف، وما يمكننا فعله حياله.

يمكن أن يكون هاتفك الذكي مفيدًا في التغلب على التسويف. تطبيقات مثل Forest يمكن أن تساعدك على أن تكون أكثر وعيًا بسلوكك ، وأن تضع أهدافاً، أو أن تُحدِث تغييرات سلوكية تحتاج إلى أن تُذكّر بها لتتحول إلى عادات. يمكنك تجربة تطبيقات أخرى تساعدك في إدارة وقتك، مثل Pomodoro، أو تلك [التطبيقات] التي تحظر تطبيقات ومواقع إلكترونية لتساعدك على التركيز، مثل Freedom


  • وينديلين ڤانيرد: أستاذ مساعد في كلية أمستردام للأعمال، بجامعة أمستردام، تركز أبحاثها على: الدافعية، التسويف، وغيرها من سلوكيات العمل، ذات الصلة بالوقت. تحتوي منشوراتها على تحليلات متنوعة في هذه الموضوعات.

[1] تأخير المهمة -هنا- بمعنى: تأخير إنجازها، وليس تأخير أدائها لأنه قد يؤديها في الموعد المحدد، مع تأخير قيامه بها بعض الوقت. (المترجمة)

[2] سمعت مثل هذا ممن يقضي وقتاً طويلاً على الشاشات ومتابعة مواقع التواصل. (المترجمة)

 

مصدر المقالة المترجمة

مصدر المقالة الأصلية

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates