Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

“فقد فااااز”

كانت مريم في رابعة ثانوي، وكنا في إجازة صيف، نذهب للنادي وتغيب هي، شهراً يزيد. لم يكن هناك (وتساب)، وكانت حيلة الشوق الوحيدة، في ذاك الوقت، الانتظار. تخرّجت مريم، وعادت إلى النادي بعد ذاك الغياب، وصرنا نبارك لها تخرجها ومعدلها، ومريم -التي لا تعرف طريقاً لمواجهة العالم سوى الابتسام، قالت، بسكينتها المعهودة وهي تبتسـم، ابتسامة من يقف على منصة المركز الثاني بفرق ثوانٍ: – “توقعتِ أكثر، صح؟” – “لا مريم، وايد زين ما شا الله، ثانوية عامة وعلمي” – “أنا متوقعة أكثر، وأبوي قال لي: ﴿فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فازَ ﴾. رفعت مريم سبابة اليمنى بحركة خفيفة، ومدّت “فااز” مدّا يسيراً، تحكي صوت أبيها عندما قال لها الآية. وأنا أعرف الآية ورداً من آل عمران، وأعرفها موعظة في الموت، ولكني لا أعرف صلتها بنتائج الثانوية العامة، أو بالخسائر الصغيرة التي هي بِكر القلب الغضّ من الخيبات، في ذلك العمر. ومرّت الآية مبعثرة في رأسي: ﴿فاز﴾ ﴿أُجورَكُم يَومَ القِيٰمَةِ﴾ ﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ﴾ .. لكني بَعْدُ لم أدرك صلتها تماما بالموقف، سوى أن قليلاً من الإنجاز هناك بقدر “تكّة” (زحزحة) أعظم من كل هذه الأميال التي نركضها. طرقت الآية رأسي، لكن مشواراً كان بينها وبين استيعابها شعورياً في تجاربي. وبينما أنا أكبر، ومع كل فوات يصيبني تطرق هذه الآية رأسي، “فااز”، لم أكن على كل حال أستوعبها أو أستشعر معناها الكبير، ولكني، في كل مرة كنت أسمع “فاز” -ممدودة-في رأسي. ومع مرور الأيام وكثرة التجارب، تكبُر أنت، ويحضر الفوات متكررا في تجاربك، ملثّما مرة، وسافراً أخرى، لكن ما يحدث أن المعنى المتصل بهذا الفوات يقترب أكثر، ثم -لكثرة ما فاتك مما تريد- يكتمل الفوات فيك وتوهب من معناه ومغزاه ما يجعل الآية تنسكب في قلبك بعدما كانت مِطرقةً في رأسك .. تظل (فااز) الممدودة، عن مريم عن أبيها، حاضرة منتصبة أمامك كنصب لا سبيل عنه، كفاتحة على شاهد قبر، تَعِدك عند كل رحيل بالوصول أو عند كل موت بالحياة. مصدر الصورة

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates