وإنه قَلَّ أن تفعل مدينةٌ بأحدٍ ما فعلَته فيّ إكستر، وإني ما شددتُ العزم إليها -وقد كنتُ قبلُ في حيرة بالغة- حتى قرأت اقتباساً يقول: “إن أكبر مخاطرة هي ألا تخاطر”
تجارب
عن السير على طينة الأرض في الطرقات، وعن مخالطتها في الوجوه
كنتُ، دائماً، صاحبة أعرض ابتسامة في الصور، وكان هذا، في كثير من الأحيان، يحرجني.
وكان العابرون يسألونني: “لماذا أنتِ سعيدة دائما؟”
لم أكن سعيدة، ابتسامتي عريضة فقط.
كلنا يقضي وقتاً طويلا، طويل جداً، ومبالغ فيه أحياناً، على الموبايل. وأنت، في الحقيقة، لو تفحّصت، لوجدتَ أنك إنما تتحرى رسالة أو تتوقع رداً، حتى لو كان محتوى الرسالة بلا كلمات، مثل مشاهدة أو تفضيل، وحتى لو كان هذا لا يستبطن وصلاً حقيقياً.
كنت إذا أجلس على طاولة مقهى في العاشرة من صباح يوم من نهاية الأسبوع، يأتي رجل مسن، يرتب الصينية على الطاولة لتتسع لكوبه هو وزوجته، ويجلس أو يدعوني لطاولته، ثم يعطيني رقم موبايله دون أن أطلب، ويرسل رسالة في صبيحة كل سبت: “سنكون في شرفة المقهى بعد ساعة، لا تتأخري”.
كنت أداوي العزلة بالتواصل.
في مارس، عندما بدأت الحياة تعود شيئاً فشيئاً إلى طبيعتها، أرسلتُ إلى ساره:
– سارون، أبي أتطوع معاكم، عطوني شي أسويه.
كنت أتوقع تكليفاً بعملٍ مكتبيّ، يتعلق، مثلا، بالتخطيط لمشاريع، أوصياغة أفكار، أو تطوير مواد.
وُلدتُ قبل أن أتم مدة الحمل في الرحم، واستكملت ما بقي منها في حاضنة بلاستيكية. أورثتي هذا تأخراً في المشي، وبدأت أمشي أن انتصفتُ عامي الثاني.
لم تجعلني هذه العزلة، التي طالت، أحنّ إلى أيٍّ من الأشياء التي لا تعجبني. كل ما انتقده في حياتنا الاجتماعية لم تشعرني هذه العزلة بقيمته، بل بقيمة التحرر منه.