الكاتب: نورة مشعل العتيبي
مدخل: إن أغمضت عينيك عن الحقيقة، لا تغمض قلبك.
اقتربت مني إلى الحد الذي وضعت أنفها الصغير على أنفي, محدقة في عيني بشكل غريب.. لم يفعله أحد من قبلها
(آنسة شو لون عيونك؟) سألتني بيسان.
بلهجتها السورية أجيبها (إنتي شو شايفه؟).
تجيبني: (مممم أسود متل هالإيام).
أمسك وجهها الصغير بين كفي, أحدق في عينيها. فلم أجدني إلا وأنا أسألها: (إنتي شو لون عيونك؟). وترد علي رداً كردي تماماً: (إنتي شو شايفة؟).
وأسأل نفسي : أنا شو شايفة يا بيسان؟ أرى مقلتين صغيرتين خضراوين. أنا يا بيسان أرى عينين بلون المرج الأخضر الواسع. بيسان أنا أرى عين طفلة ذات سنوات سبع فيها حديث ألف ألف سنة, وصرخة ألف ألف حنجرة, ودمعة ألف ألف طفل.
أنا يا بيسان أرى سنواتك السبع صارت سبعين. حتى أنك قلت عن لون عيني أسود (كأيامك الآن).
أي هم تحملين يا طفلة السنوات السبع؟ كيف تشعرين؟ ماذا تحسين؟ كيف ينبض قلبك؟ بسرعة شديدة أليس كذلك؟ تشتاقين لدرعا البلد؟ أنت من هناك يا بيسان. أنت من أخبرني أنك من هناك.
بيسان ماذا رأيت عينيك الخضراوين الصغيرتين؟ أرأت والدك وهو يعتقل؟ أم أبصرت جثة أخاك ممزقة؟ بيسان هل رأيت أمك تغتصب؟ أم أبصرت دارك وهي تُهد؟
اصمتي أنتِ يا بيسان .. لا تتحدثي, دعيني أغرق في عينيك. ستخبرني أنا أعلم.
سألتني بيسان: شو لو عيونك؟ تستفسر بيسان عن لون عيني.
وأنا سأسأل العالم: ما لون قلبك أيها العالم؟ أيها العالم هل تعرف بيسان؟
ألم يغيرك لون عينيها؟
حسناً ألا تريد أن أعرفك عليها؟ أو على الأقل أن تعرف كيف عرفت أنا بيسان؟ هل ضقت بنفسك فما استطعت أن تلفت إليها؟
في الثاني من يناير 2015 التقت عيني السوداء بعينيها الخضراوين. في أربد الأردن. ضمن مدرسة إنساني التي أقامها فريق إنساني لدعم أطفال سوريا اللاجئين.
التقيتها في صباح يناير البارد, كغيرها من أطفال مدرسة إنساني, أطفال سوريا .. أطفال اللجوء.
ذات السنوات السبع سلبت مني بإجابتها كل شعور. ويبقى شعوري واحد واحساسي واحد أمام انتظار الاجابة من حنجرة العالم: إلى متى هذا الصمت؟
أنت تقرأ الآن وقد تكون سألت العالم من حولك هذا السؤال ألف مرة, ولم يرد عليك أحد. أم أن الاجابة التي تأتي من تلك الحناجر كل مرة (الله يعينهم) دونما أي إحساس بمعنى الاعانة وإدراك لاسم الله المعين؟
تغضب على هذا العالم الذي أكلت منه المادية والسطحية ما أكلت حتى لفظته.. العالم الذي والذي والذي والذي؟
والذي إذا عددنا إلى فجر الصباح ما انتهينا ! العالم الذي جعل بيسان تنظر إلى سواد عيني كأنه أيامها؟
أيكفيك أن تندب حظ العالم؟ أن تغضب على صمته؟ أن تصمت معه بحجة أن الحراك لا ينفع وأن لا أحد يسمع؟
يعني أن تضيع عين بيسان الخضراوين وسط هذا الصمت؟
نحتاج أن ندرك أبعاد إجابة بيسان. طفلة في السابعة تصف أيامها بالسواد, بيد أن غيرها يصفها بألوان الطيف السبعة بل وسبعة لا تكفي.
طفلة في السابعة تصف أيامها بالسواد, يعني أنها تشعل فينا فتيل العمل, تحرك فيها وقود الهمة.
طفلة في السابعة تصف أيامها بالسواد, يعني أن العالم يحتاجك كي تغير, كي تلون أيامها.
طفلة في السابعة تصف أيامها بالسواد, يعني أنك تراجع أيامك.. ما تفعل بها وكيف تعيشها.
طفلة في السابعة تصف أيامها بالسواد, يعني أن الكل يجب أن يعمل في مجال, في تخصصه, كي يهدي لها لوناً تلون به حياتها.
أقف أمام المرآة. أتطلع في عيني ذات اللون الأسود. أعاهد بيسان في سري.. هي في إربد الآن .. تقاسي البرد. تعيش أيامها السوداء كما وصفتها.
أغمض عيني, أسترجع درجة لون عينيها الخضراوين, أجيب الإجابة التي ما أجبتها بيسان “لون عيونك خضرا متل لون إيامك الجاية حبيبتي”.
مخرج: إنساني، الفريق الكويتي للمبادرات الشبابية، يأخذ بيدك كي تفتح قلبك وعينيك معاً على الحقيقة، كي تقدم شيئاً لهذا العالم. بادر .. إنساني ينتظرك. Instagram & twitter: @insani-kw
5 Comments
عبدالرحمن المطوع
من هذه المدونة تخرج الكلمات التي تعبر عن أحاسيس لا ندركها الا من خلال قراءتنا لها وكأنها صورة ناطقة وكأنني انظر الي الطفلة وهي تحدق في عين الكاتبة
شكرا لصاحبة القلم الخيري
هادي باجبير
بيسان…
سطرتي خطبة الشتاء بمقلتيك و عينيك الخضراوتين ، امسكتي دموعك إلى إن تصل كلماتك للعالم ،تختبئي خلف سور هش لتبوحي بدمعاتك للقوي الجبار الذي يمهل و لا يهمل.
بيسان…
براءتك فاقت كل سلاح ، و عينيك ستسكت كل نباح.
بيسان…
عينيك ادمعت تلك العيون البعيدة علها ترفع يديها للسماء بدعوات صادقة يفرج الله بها كربتك و كربة كل مظلوم…
بيسان…
حفظك الله
تومة الشيخ
فما لون قلوب هذا البشراللتي تقاتلهم .اكتساها السواد….بل مزقها الحقد والعنف الهمجي …حسبي الله عليهم من قاتل هالبراءة…سود ايامها وهم ينتظرون بياضها…ولهم رب رؤوف بهم مننا ومن انفسهم ذاتها….اقول لابنتي بيسان لاتحزني ولاتنظرين من واقعك لك رب سيحميك..
..وانتم ايها العالم دعو حياتكم تمشي بما تريدو ولكن ليس صعبا” عليكم رفع الاكف لله تدعون لهم في جنح الليالي
….سلمت يمناك يامن اصغتي لنا ماحصل باروع الانامل…كم تمنيت ان اكون بمكانك..فياحظك السعيد…وفقك الله
أنفال الخلف
لا أجمل من التحليق مع فريق انساني ،،،، اخ متى يستيقظ هذا العالم ؟ متى تهتز القلوب ؟ متى تستنكر العقول ؟ متى يصحو ضمير الأمة ؟ متى ننهض ؟ كانت أوجع رحلة ،،، يارب كن لهم ومعهم
عنان
الحب اعمى .. هو موجود فينا يستيقظ فجاة فيرافقنا للابد