Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

مِن نافذة السجن …!

  أنا و”السجن” جيران …! عذراً فيروز …! هكذا كان قدري … أن أجاور السجن …! مجمع سكني كبير … في قلب المدينة الهادئة … على بعد عشر دقائق مشياً من السوق … الحياة … الضجيج … وعلى بُعد ربع ساعة من المسجد … ومسافة خمس دقائق من محطة باص الجامعة … ودقيقتين من السجن المركزي للمقاطعة …! كان الشقة مناسبة … لولا أن شرفة الصالة تُطل مباشرةً على السجن المركزي للمقاطعة … وغرفتي … تطل على بوابة السجن الرئيسية … في هذه البلاد الخضراء …. أفتح نوافذ الصباح على منظر السجن …! وترددت باستئجار هذه الشقة … “الجار ولا الدار” كما يقولون … لم تكن هناك خيارات كثيرة … فجاورتُ السجن …! كان مكتبي في الغرفة مُطِّلا على النافذة، لذلك فأنا أراقب الوقت من الساعة الكبيرة المعلقة على بوابة السجن …! وكنتُ حديثة عهد بالمدينة … فإذا ركبت مع سائق تاكسي وقلت له وجهتي: ” خذني إلى المجمع السكني “الفلاني”، إذا سمحت”.. فإذا هو لم يعرف المكان فإني أجتهد باستحضار كل المعالم المحيطة بمسكني … حتى أدلّ السائق عليها … إلا السجن …! : – “حسناً، كنتُ أقصد المجمع السكني الذي يقع في “وسط البلد” … – “بُرج الساعة … هل تعرف برج الساعة … هذا هو طريقي” … – “العمارات الأربعة على امتداد الشارع الشمالي الجديد … هذا ما أقصد” ولم تُفلح كُل محاولاتي ذات مرة … لولا أن هتف السائق : – “أهــااا! تقصدين تلك العمارات التي تقع قُبالة السجن …” – “نعم، تماماً … لكني لا أحب أن أقول: خذني إلى حيث السجن …!” وضحك طويلاً، ثم استدار نحوي استدارة شبه كاملة وقال: -” أن تُطلّي كل صباح على السجن … يعني أن تتذوقي الحرية كل يوم …! فكّري فقط: ماذا لو كنتِ في الجزء الداخلي من الجدار الذي تُطِلِين عليه…!”
لم أكن أتوقع أن مجاورة السجن صاخبة إلى هذا الحد …! لكن هذا السجن له نوافذ … تطل على الشارع الرئيسي … وهذا سِرّ الصخب …! نوافذ السجن بعدد غرف السجناء … فتحات النوافذ صغيرة … لكنها تتسع للصراخ … للضوء … لمناداة المارّة … ولتبادل الأشياء …! هذه النوافذ الصغيرة البائسة … جعلت من جدار السجن جدارية حياة …! من هذه الفتحات … يتسلل إليّ شيئ من حياة السجن … ويتسلل إلي السجن شيئٌ من الهواء … من الضوء … من الحرية … الزنزانة التي تتسع لنافذة فإنها تتسع لشيئ من حرية …! من قال أن السجون سواء …! في هذا السجن … حالة الطقس أحد الاهتمامات اليومية للسجين … المجرم … الإنسان …! والرزنامة تُنبت ورقة مُحتلفة كل يوم …! من هذه النوافذ تتسلل رائحة المطر …! في ليلة رأس السنة … يراقب السجناء الألعاب النارية … يصرخون … ويحاورون المارة بأعلى أصواتهم … في هستيريا … وأنا لا أنام …! من هذه النوافذ … يتسلل ضجيج عجلة الأيام الجديدة …! السجين المحكوم بقضايا مالية يربط حذاءه بخيط طويـــل يُلقيه من النافذة … ويتركه لساعات … ثم يسحبه ليتلقى تبرعات المارة لسداد دينه …! من هذه النوافذ يتسلل شيٌ من الإنسانية … من العطاء …! عطاءات صغيرة –أو مبادلات- ما تجري بين السجناء “المجرمين”: يدٌ ممدودة لأقصاها … وخيط طويـــل يُلقى من نافذة … وفي طرفه شيئُ ما … تتلقفه النافذه الأخرى بعد محاولات وهتافات …! ثم تبدأ الجولة الأخرى بعد نصف ساعة … تمتد اليد الأخرى …تتلقّف ما يُلقى من النافذة الأخرى … وفي طرفه شيئٌ ما …! من هذه النوافذ يتسلل شيئٌ من ضَجَر … شيئٌ من شَغَب: يُخرج المساجين مرآة صغيرة من النافذة … يستعيرون من خلال المرآة شيئاً من أشعة الشمس … تتجمع أشعة الشمس على سطح المرآة … ثم يوجهونها نحو النوافذ المقابلة لهم … نوافذ عمارتنا ..! شيء من الضوء ثم ينعكس في نافذتي … يضرب في شاشة اللابتوب … يُصيبني بعمى الألوان … أو يقع على حامل الورق -المشّكّل بأسلاك معدنية وردية على شكل قلب- فتنعكس صورة القلب عملاقة على جدار الغرفة الأبيض …! من هذه النوافذ … تتسلل خيوط الشمس …!
في إجازة نهاية الأسبوع… أصحو عل ضجيج زوار السجن … طابور طويل … ملوّن … عائلات السجناء على موعد الزيارة الأسبوعي … عربات أطفال … أكياس هدايا … انتظارٌ أسبوعيّ مُتلّهِّف …! لأن الأسبوع في عُمر السجن … سَبْعٌ عِجافٌ من عمر الحرية …! ويوم التزاور عامٌ فيه يُغاثون …!
وأسلَمَ سجين … مُجرمٌ … إنسان …! فاستضافت إدارة السجن “غير المسلمة” من أجل هذا المسلم الجديد إمام المسجد … ليعلمه أمور دينه الجديد … السجن الذي له نوافد … يهدي إلى الحرية … إلى الإيمان …! من هذه النوافذ … يتسلّل شيئٌ من الحرية … شيئٌ من الإيمان …!

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates