الكاتب: د. جميلة خليف من لم “يَنْحنِ”..عن الفضل ينثني فُطر الإنسان على حب الكرامة {ولقد كرمنا بني آدم}، والبحث عن العزة والرفعة والمكانة العالية، فالكرامة هي الحالة “الفطرية” أما المذلة والمهانة والانتقاص فهو الحالة “الاستثناء”!! أما في عصر تلوّن المصطلحات وإعادة تعريف المفاهيم، ومع بصمات العصر وقليل من الترف وشيئ من الرفاهية وكثير من “الأنانية” فقد تحولت الحالة الفطرية إلى حالة “مَرَضية” يتم تشخيص أعراضها في تكبر وتجبر وتفاضل على أساس من الحالة الاقتصادية والمستوى الاجتماعي بعيدا عن الوصية النبوية [إلا بالتقوى]!! انحناء.. أسيئ فهمه حين نُظر إلى “صورته” بعيدا عن فحواه!! الانحناء فلسفة حياة لا يدرك لذتها إلا من أصاب هدف “الامتلاء”، فإن من كان “فارغاً” خاف أن يكون انحناؤه ضعفا، فتراه يستر “فراغيته” بحذف هذا المصطلح من قاموس حياته، ويملأ “فراغه” بممارسات التظاهر بالتعالي، أما من “أفرغ” من كل خيرات العلم في جعبته وأفاض عليها بفيوض الفهم والتحليل والتعليل حتى يقدم لمراسيم “النهوض” إضافة ويضيف إلى خطوات “النهضة” قدَماً..ذاك هو الممتلئ..هو فقط من يعرف كيف يكون..شموخ الانحناء.. ا= املأ داخلك فكل وعاء بما فيه ينضح، وأكثر الآنية ضجيجاً هي الآنية الفارغة! املأ داخلك علماً وحكمة، املأ داخلك عبر سلسلة من التنقية والفلترة تتم من خلال استقبال”واع” للمقروء والمسموع، والتقاط ذكي للشاردة والواردة، املأ داخلك فالفزع من الفراغ الزمني والمعنوي مغنمة، والفزع إلى الفراغ مغرمة، املأ داخلك لأن الامتلاء صفة النبلاء.. ن= نقّ قلبك أي منظار للحياة يملكه من كان داخله قاتماً معتماً! يُقال: كلٌ يرى الناس بعين طبعه، وتقول لنا الحياة: كلُ يضيف إلى الحياة بقدر نقاء قلبه.. وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي قائلاً (أليست نفساً؟؟)..أي قلب حمله المصطفى وأي درس يبثه لنا إذ يعلمنا بأن العارف بالله يملك “قلباً” يرجو من خلاله أن يصل كل الناس لمعرفة الرب ليذوقوا لذة القرب.. نقّ قلبك لأننا بتنا نظن بأن الجنة هي مِلك حصري لنا وأن مفاتيحها بأيدينا ندخل من نشاء ونقصي من نشاء حين ننظر إلى “ضعفهم” بازدراء.. نقّ قلبك لتقبل على الناس بحب فما لامس شغاف النفوس التائهة مثل قلب نقي..وما أفاض القلب على الناس بحب إلا بعد امتلاء!! ح=حرر روحك فالجسد الطيني آسر، والتفاتك إلى تفاصيل الجسد طولاً وعرضاً يبعدك عن “تألقات” الروح خفة ورفعة!! حرر روحك فجاذبية الطين قَدَر ولكن “خفة” الروح “قُدرة”..حرر روحك بقطع عوالقها من كل ما هو من غير جنسها، وأوصلها مع كل ما هو “منها” بل هي “منه” {ونفخنا فيه من روحنا}.. إنها بداية التخلص تتعبك ولكن جمال التحليق..يُنسيك!! وفضاء الكون القادر على حمل طائرة تزن الأرطال ليست بأفضل من فضاءات الفضل التي تحمل الروح بعد أن عشقت الامتلاء.. ن= نمّ عقلك فنماء العقل هو مظنة “الابتلاء”، ونماء العقل أحد مقومات “الامتلاء”..نمّ عقلك عبر “بصر” يستقبل بكامل الوعي والإدراك، ويتفاعل مع “بصيرة” تقرأ ما بين السطور وإن غابت وتدرك الحكمة وإن حُجبت وتتلمس الفهم في هذا وذاك، ثم هي تتكامل مع “استبصار” يحوّل المعرفة إلى عمل، والفكرة إلى أمل، والنظرية إلى تطبيق، ويؤلف بين الدرر ليكون لقاحاً لنماء عقل جديد تنتظم بمجموعهم الحياة وتتحقق الخيرية.. نمّ عقلك فالنماء هو سر استمرار الامتلاء.. ا= اعرف تميزك فأصغر ما فيك شاهد على تفردك، و”الفرادة” هي ذلك المقام العلي الذي أراده الله لك إذ نفخ فيك من روحه وعلمك من علمه وأسجد لك ملائكته المقربين.. ولكن “التميز” ليس بقصة تحكى؛ بل هو “فكرة” تُبذر، وأثر يظهر وهمٌّ يشغل وسعي يُبذل وسفر كحبوب اللقاح مع الرياح تظن أنها قد غادرت “الموطن” فإذ بها قد “حضرت” حين أحضرت معها منحة الحياة.. اعرف تميزك ففرادتك هي سر من أسرار جاذبية الامتلاء.. ء= ارفع قدرك* {ورفعناه مكانا عليا} {ثم جئت على قَدَرٍ} وصف لكل من ارتحل للقاء ربه!! وهل الحياة إلا رحلة محطتها المرتقبة {مقعد صدق عند مليك مقتدر}!! أي مكان وأي مكانة تتلاشى في وصفهما عبارات الوصف وأوصاف العبَرات.. ارفع قدرك فلا ترض بالدون ولا ترض بأن تكون على هامش الحياة اسماً يُذكر أو يغيب..ارفع قدرك فمكانك في سجل التاريخ لا يأتيك “منحة” بل تصله بعد مكابدة “محنة” ومزاولة أشرف “مهنة” {في الأرض خليفة}.. ارفع قدرك فقد خُلقت في السماء لتظل هامتك مرفوعة وسهامك موجهة إلى هناك..ارفع قدرك إذ تقتفي أثر الأنبياء..وتحيا على نهج الخلفاء وتسعى لتنال منزلة الشهداء..فما سار على هذا الدرب إلا من سعى بهمة نحو الامتلاء.. بين الانحناء والامتلاء وشيجة قربى وصلة، بين الانحناء والامتلاء تتجلى روعة الفهم وتواضع العلم، بين الانحناء والامتلاء سيمفونية من التناغم والانسجام لا يطرب لها إلا من عرف بأن “الممتلئة” هي فقط تلك التي..تنحني بارتقاء!!
*همزة (ارفع) همزة وصل … بينما همزة الانحناء متطرفة.
5 Comments
حصة
“أجل إنني أنحني فاشهدوا ذلتي الباسلة
فلا تنحني الشمس إلا لتبلغ قلب السماء
ولا تنحني السنبلة
إذا لم تكن مثقلة
ولكنها ساعة الإنحناء
تواري بذور البقاء
فتخفي برحم الثرى ثورة مقبلة …” لـ أحمد مطر
سأموت شهيدة
المقالة رائعة
جاسم الربيع
من اجمل ما قراءتك وحروف وكلمات وجمل المقال لامست روحي ونفسي وقلبي
روان دعبس
رائعه دكتورتنا الجميلة // جميلة // ♡
#سبع_سنابل
كنا هناك ♥
Um salad Alain
روووعة