كان لعبد الله بن جعفر من معاوية ألف ألف في كل عام ومئة حاجة، يختم معاوية على أصل الأديم ثم يقول: اكتب يا ابن جعفر ما بدا لك.
فقضى عاماً حوائجه وبقيت حاجة لأهل الحجاز. وقدم أصبهبذ سجستان يطلب إلى معاوية أن يملّكه سجستان ويعطي من قضاء حاجتهألف ألف درهم، وعند معاوية يومئذ وفد العراق: الأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومالك بن مسمع، فأتاهم الأصبهبذ فقال له الأحنف: أيسرك أن نغرك؟ قال: لا. قال: فإنا لسنا بأصحابك، ولكن ائت عبد الله بن جعفر، فإن كان بقي لك شيء من حوائجه جعله لك.
فأتى ابن جعفر فذكر له حاجته. فقال: بقيت لي حاجة كانت لغيرك، فأما إذ قصدتني فهي لك. ودخل ابن جعفر على معاوية يودعه فقال: بقيت لي حاجة كنت جعلتها لأهل الحجاز فعرض فيها أصبهبذ سجستان، فأنا أحب أن تملّكه. فقال معاوية: إنه يعطي على حاجته هذه ألفألف درهم. قال ابن جعفر: فذاك أحرى أن تقضيها. فقال: قد قضيت حاجتك؛ يا سعد! اكتب له عهده على سجستان. فكتب له عهده، فأخذهابن جعفر والدهقان على الباب ينتظر ابن جعفر، فخرج فأعطاه العهد، فحمل له الأصبهبذ إليه من غد ألف ألف درهم وسجد له، فقال له ابن جعفر: اسجد لله عز وجل، واحمل هذا المال إلى رحلك، فإنا أهل بيت لا نبيع المعروف بالمن.
فبلغ معاوية فقال: “لَأَنْ يَكُونَ يَزِيدُ قَالَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ خَرَاجِ الْعِرَاقِ، أَبَتْ بَنُو هَاشِمٍ إِلَّا كَرَمًا”.
زاوية:
تعزُّ الكلمة الحسنة عن كُل ثمنٍ يُشترى، والنابل يَنْبُل بلفظه مثلما يَنْبُل بفعله.
وثقافتنا -في كثير من أوجهها- تجريدية لو تأملت، منصرفةٌ إلى المعنى جاعلةً إياه في المقام الأول.
وصلى الله على النبي وآله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.