Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر”، ما الآداب التي جُعلت “شرطاً” للإيمان؟

 

هذه المقالة مُهداةٌ إلى مريم:     تُذنِب، فنتوب كُلّنا

حدّثنا أبي اليوم في (جلسة الشاي) بعد الإفطار، ونحن مجتمعون، بحديث: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت”.

تبسمت نورة والتفتتْ إلى ابنتها، مريم، أثناء حديثه، فالتفتَ إليها. أبي، الذي يعجبه أن ننصت إذا ما حدثنا بخاطرة أو موعظة، ولا يرضى أن ننشغل بغيرها. فقالت نورة -معتذرةً- أن هذا الحديث الشريف كان موضوع حديثهم على مائدة الإفطار أمس، – فيما يبدو أن أمراً -صدر من مريم :) -استدعى موعظة عاجلة، على مائدة الإفطار، ما كان لها أن تؤجّل.

وفي إثر حديث والدي، ارتأيت أن أجمع هذه الأحاديث، لعل ذلك ييسر لنا أن نعرض أنفسنا عليها، ونتنبه، أوننبه من نحب، إلى أمر جُعل بنص الحديث مقروناً بالإيمان بالله واليوم الآخر.

أحاول في هذا المقال أن أرصد الآداب، والأعمال التي وردت في أحاديث[2]: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ..”، وسأحاول أن أصنفها، لعل في ذلك نفعاً وذكرى.

كف الأذى

أول ملاحظة بدت لي عند جمع هذه الأحاديث، أن الغالب الأعم منها متوجه إلى (كفّ الأذى)، فأي أذىً أمرتنا هذه الأحاديث أن نكفّ؟ وعمن؟

  • كف الأذى عن الجار:
 

“مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ”[3] (وفي رواية: “فليحسن إلى جاره”، وفي حديث: “فليكرم[4] جاره”). ورد الحديث بعدة ألفاظ، أو روايات.

فيها أمر بفعل الإحسان والإكرام: “فليحسن”، و”ليكرم”.

وفيها نفي عن حصول الأذى من المؤمن: “لا يؤذي” (بمعنى خبري: أن الذي يؤمن لا يؤذي جاره).

وفيها نهي عن الفعل: “لا يؤذ” (بمعنى طلبي: لا تفعلْ).  
  • كف أذى اللسان:

“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت”[5]، الأمر متوجه هنا للفرد: “فليقل خيراً” (فهذا أمر بالفعل أولاً)، أو “ليصمت” (وهو أمر بالكفّ عن الكلام: أمر بفعل سلبي).

  • حفظ الحقوق المالية (كف الأذى المالي)ّ:
 

“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَأْخُذَنَّ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ”[6]، “فلا يَبْتاعَنَّ ذهَبًا بذهَبٍ إلَّا وَزْنًا بوَزْنٍ”[7].

النهي المؤكد (بنون التوكيد) هنا متوجه إلى منع جميع صور البيع إلا ما وقع منها في الاستثناء، وهي الصورة التي يتحصل بها منع الضرر والاستغلال في البيع، الذي يتأتى من ربا الفضل.

“منْ كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يأخذُ دابةً من المغنمِ فيركبُها حتى إذا أعجفَها ردَّها إلى المغانم”[8].

“ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فلا يَبِيعَنَّ مَغْنَمًا حتى يُقْسَمَ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فلا يَرْكَبَنَّ دابَّةً من فَيْءِ المسلمينَ حتى إذا أَعْجَفَها رَدَّها فيه، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فلا يَلْبَسَنَّ ثوبًا من فَيْءِ المسلمينَ حتى إذا أَخْلَقَه رَدَّه فيه”[9]

النهي هنا متوجه إلى جميع صور الانتفاع بالغنائم قبل أن تقسم ويفرد لكل فرد نصيبه منها. يورِد الحديث صور الانتفاع: (البيع)، (الركوب)، (اللبس)، وينهى عن كل واحدة منها، مع ربط النهي بالإيمان واليوم الآخر في كل مرة. وعلى أن المرء قد يتحصل له سهم من هذه الغنائم، شدد الحديث بالنهي عن الانتفاع بها على أي صورة قبل أن تقسم.

  • حفظ الأغراض (كف الأذى عن الأنساب):

النهي عن نكاح السبي حتى تُستبرأ:

“من كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فلاَ يسقِ ماءَهُ ولدَ غيرِهِ”[10]، “مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يَنكِحَنَّ ثَيِّبًا منَ السبايا حتى تَحيضَ”[11].

ورد نهي في أحاديث “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر” (جاء النهي مؤكّداً بنون التوكيد في بعض الألفاظ) عن نكاح السبي حتى تُستبرأ، حفظاً للنسل، وصيانة للأعراض أن تختلط.

النهي عن الخلوة المحرمة:

“مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يخلوَنَّ بامرأةٍ ليسَ معها ذو مَحرَمٍ منها، فإنَّ ثالثَهما الشَّيطانُ”

ورد النهي عن الخلوة المحرمة مؤكداً كذلك (بنون التوكيد)، وهو نهي مرتبط بصيانة النفس، وحفظها من الإثم، ومن الفاحشة، ومن الملاحظ هنا أن النهي المؤكد هنا لم يرد مجرداً، وإنما أُتبع بعبارة: “فإن الشيطان ثالثهما”، التي فيها توضيح أو بيان للنهي.


أحاديث أخرى، لا أرى فيها ما يمكن إدراجه تحت معنى (كف الأذى):

١) النهي عن لبس الحرير والذهب للرجال:

“من كان يؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ ؛ فلا يلبسْ حريرًا ولا ذهبًا”

حديث يتعلق بالمظهر (اللباس)، وقد لفتني ربط بالإيمان واليوم الآخر (وهو فعل قلبي). بأمر متعلق بالمظهر، ولعل نهي الرجال عن لبس الحرير والذهب، فيه جانب تعبّدي (يُفعل تعبّداً – قد لا يُعقل معناه).

٢) صلة الرحم:

“فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”

في الصلة مع الأرحام، لا يأتي الأمر بالكف، وإنما يأتي الأمر بالفعل: لا تؤمر أن تكفّ، ولكن تؤمر بالوصل. وجليّ أن الأمر بالفعل فيه زيادة واتساع عن الكفّ، لما فيه من المبادرة والبذل، وهذا محل صلة الأرحام.

عسى الله أن يعيننا وإياكم على فعل الخير والبر، وكف الأذى. ولعل فيما استعرضناه ملمحاً مهماً وهو أن أوجب ما عليك، وأكثر ما أُمرت به، ولعله، مع ذلك، أيسر الأوامر كلفة، هو: أن تمنع أذاك.


[2] استعنت بالموسوعة الحديثية في موقع (الدرر السنية)،في البحث عن لفظ “من كان يؤمن بالله”، استبعدت من مما ظهر لي من الأحاديث ما حكم عليه بأنه (موضوع)، أو (لا يصح)، أو (منكر). واستبعدت الأحاديث (الضعيفة) وما حكم على أسانيدها بالضعف. [3] صحيح مسلم، (47) [4] “من كان يؤمن بالله واليوم الآخرِ ، فليُكرِمْ جارَه . قالوا : يا رسولَ اللهِ ! وما حقُّ الجارِ على الجار؟ قال : إن سألك فأَعْطِه” (الألباني، صحيح الترغيب، (1525)، خلاصة حكم المحدث: ضعيف جداً (موقع: الدرر السنية)). 5 “من كان يؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ ، ويشهدُ أني رسولُ اللهِ ؛ فلْيَسَعْه بيتُه ، ولْيَبْكِ على خطيئتِه ومن كان يؤمن بالله واليومِ الآخرِ ؛ فلْيَقُلْ خيرًا لِيغْنَمْ ، ولْيسكُتْ عن شَرٍّ فيَسلَم”ْ. (الألباني، (ضعيف الترغيب)، (1701) – الحديث ضعيف جداً (موقع: الدرر السنية). [6] صحيح مسلم، (1591) [7] شعيب الأرناؤوط، (تخريج المسند)، (16998) [8] فتح الباري (294/6) [9] الألباني، (صحيح الجامع)، (6507) [10] الألباني، (صحيح الترمذي)، (1131) [11]  شعيب الأرناؤوط، تخريج زاد المعاد، (5/643)

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates