كلنا يقضي وقتاً طويلا، طويل جداً، ومبالغ فيه أحياناً، على الموبايل. وأنت، في الحقيقة، لو تفحّصت، لوجدتَ أنك إنما تتحرى رسالة أو تتوقع رداً .. حتى لو كان محتوى الرسالة بلا كلمات، مثل مشاهدة أو تفضيل، وحتى لو كان هذا لا يستبطن وصلاً حقيقياً، يرضيك هذا، لا عن اكتفاءٍ ورضاً حقيقي، ولكن عن هروب وقلة في الاحتمالات أحياناً. وهذه هي هوّة الفراغ الأكبر، التي نتوهم أن تهبنا سبيلاً إلى امتلاء، ونحن، منذ سنوات عشر، عالقون، لم نزل.
في وجودك في الأماكن التي لا ترغب أن تكون فيها، في انتظاراتك المزعجة، لا يهبك موبايلك إلا “صورة” المنشغل. قررتُ أن أستبدل بالشاشات القراءة أو الاستماع إلى كتابٍ صوتي، أو الترجمة (تمنحك الترجمة فرصة لأنْ تنتج شيئاً ذا معنى، في وقتٍ قد لا تكون فيه على استعداد لإنتاج مكتمل. وبينما الكتابة انكشاف، فالترجمة توارٍ يتيح لك أن تتوارى وراء النص ويظهر فيه صوتك بشكلٍ عامل). أو المشي، أو مقاطع فيديو مطوّلة، أو كليهما في آن، أو في حوارٍ عن فكرة أو معنى. المهم أن هذه الحياة قصيرة، وغنيّة بالخيارات، تخّيّر ما تذهب فيه أيامك.قالت هند مرة: “صعب عليك تتركين إنستقرام” قلت: وشّو اللي صعب؟ أنا إيدي إذا عتّتني قطعتها”. ثم لم ألبث أن أدركت أن هذا كان لا يعدو “فشخرةً” محضة (أو bragging)، ذلك أنني -طبيعةً- لا أجد نفسي في هذه المواقع، لا يناسبني الزحام، ولا حجم التعرض والانكشاف فيها. فإني، من جهة أني لم أخلق لها، لم يكن تَركي لها موقفاً متفوقاً، أو ناتج عن “وعي”، أو قدرة على التخلي، ولا يصح لي أن أتفاخر بهذا. ثم هل لي في المواقع، وقد وهبني الله الوجوه والأيادي، وعادت طاولات المقاهي؟
يكفيك من الوعي ما تحرس به المعايير، وإن عجز الواحد منا أن ينفك من سلطة المؤثرات والعادة، فتكفيه معرفة الحق، والإقرار به وبالضعف، .
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
1 Comments
مريم الخزام
حاليا متبعه في نهاية الأسبوع سوشل ميديا ديتوكس ، وجدت بها راحة ولم شعث النفس على التركيز الأكثر وزيادة العطاء لواقعي الملموس. دوما اقول لمن يعتزل بنات التواصل الاجتماعي ( ما فاتكم شى)