كنت إذا ما أَبدى أحدٌ إعجاباً بشيء مما كتب، إنْ لـ [ما يقال فيه] سلاسة في السرد، أو لطف في المعالجة، أو زاوية في النظر، استحضرت في نفسي شطر البوصيري:
هي المواهب لم أشدد لها زِيَمي
أو قول الشيخ علي الطنطاوي:
شيء منّ الله به علي لا أعرفه لنفسي، لا أعرف إلا أني أكتب حين أكتب، وأتكلم حين أتكلم منطلقاً على سجيتي وطبعي …
ثم نظرت فبدا لي أني ما كتبت شيئاً قط إلا وقد حدّثت به قَبْلاً صديقة أو مهتماً، على طاولة مقهى، أو خطاً، حديثاً مختصراً أثناء السير في الطريق، أو مطوّلاً في مرافعة مسترسلة. وإذا البذرة تنشّق من حينها؛ ذلك أن أولئك الذين تشاركهم أفكارك الخام، يهبونك طينة إنباتها: تكتب أو تقول -في مساحتك الآمنة تلك- مسترسلاً بلا كثير تحفظ [على الفكرة] ولا زيادة تنميق، منفعلاً بفكرة أو متأثراً بموقف، وإذا الواحد هذا هو جمهورك إذ يكتمل له نصك، أو ترى اتساع حدقة عينيه، فينبهك إلى استكمال بعض الزوايا، أو تشذيب بعض السطور، أو يستحثك أن تبث مما قلته للفضاء.
وإني حين جعلت في أوراد الصبح (دعاء الإخوان في الله)، ما ظننت أني سأوهب من طاولات الصديقات أو من ثرثرة الطريق، شيئاً مما سيبث في هذا الفضاء، وإذا الزِيَم تُشدّ أول ما تُشدّ إلى صديق تَشدُد به أو إليه موقفك مما يَحدُث في العالم، أو ما يَحدُث فيك من العالم، ثم تنساق بأمر الله اللغة.
سبحانك اللهم وبحمدك.