Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

عانيتَ ألماً نفسياً بالغاً؟ سبعة مفاتيح لإطلاق ما بعد الألم النفسي البالغ من نمو

قد يقودك الألم النفسي البالغ* إلى النمو، والحكمة، ومنافع أخرى غير متوقعة

جايسون ن ليندر* ترجمة: د. حصة السنان*

ما لا يقتلني يقوّيني

–نيتشه

على الرغم من كثير من الامتيازات التي وُهبتُها، كان لي نصيبٌ مما اختبرتُ من الصعوبات. على سبيل المثال: نشأت وأنا أعاني من اضطراب في النطق بالكلام pronounced speech impediment[1]، وإعاقةٍ في المعالجة السمعية auditory-processing disability[2]، وكنت، إذ أنا طفلٌ، أتعرض دائماً للتنمر في المدرسة، وصار من عادتي أنني أخشى أن أرد على الهاتف، لأنني لم أكن أعرف إن كنت مستطيعاً أن أقول: “ألو”، قبل أن يقفل المتصل الخط بسبب الصمت الذي تلقاه على الخط من جانبي. في المدرسة الثانوية، كنت زمناً أُعيَّر بسبب البثور في وجهي (حب الشباب)، ينادونني بالوجه البيتزا مراراً، في الصف وفي الفسحة. وفي المدرسة، كثيراً ما كنت أتناول طعامي وحيداً. لقد حطم هذا تقديري لذاتي، ومنامي، وشهيتي للطعام، وعافيتي، وعلاقاتي.

ومن حسن الحظ أن مساري الذي اتخذته لـ(نمو ما بعد الألم النفسي البالغ) (نمو ما بعد الألم النفسي البالغ :(PTG) هو ما تشهده من تحولات إيجابية، في نظرتك للحياة، وفي الغاية [في الحياة، ومنها]، وفي القوة، والحكمة، وفي تحسين العلاقات، وفي المعنى، مما يفوق حالك السابقة، التي كنت عليها قبل أن تمر بالتجربة الصعبة)، [من حسن الحظ أن توجيه مساري الذي اتخذته لـPTG] وأن ما تلقيته من علاج [3]EMDR trauma therapy قد أحدثا تحوّلاً أساسياً في حياتي، فما عادت خبرات الماضي تلك تزعجني؛ بل، في الواقع، قد صارت قنوات لنجاحي، إذ تبين لي أنني لست وحيداً، فكثير من الناس من الذين تعرضوا لألم نفسي بالغ لم يصابوا بـ PTSD [اضطراب ما بعد الألم النفسي البالغ]؛ 70% ممن قد تجاوزا  أنواعاً مختلفة من الألم النفسي البالغ قد أفادوا بأنهم قد شهدوا تغيراً إيجابياً في جانب واحد (أو أكثر) من جوانب حياتهم.

إنه لَمِن شأن الطبيعة البشرية: أن يكون للإنسان القدرة على تخطي ما تعرض له من الآلام. وهذا يجعلنا نقول أن المرونة النفسية ([القدرة على] أن تجابه صعوبات الحياة، ثم تعود لممارسة حياتك بصورة طبيعية، قدر المستطاع)- [أن هذه القدرة ]، و PTG (ونمو ما بعد الألم النفسي البالغ) – يمكن إيجازه في مهارات، وممارسات، وسمات معينة، نستطيع أن ننميها ونطورها ونقويها بمرور الوقت، في العلاج وخارج العلاج. وإليك هذه الوسائل(مع أمثلة شخصية):

  1. ركز على ما قد يتبدّى لك من معنى أكبر للحياة، وغاية أعظم [منها وفيها]، بعد تجاوزك لألم نفسي بالغ خبِرته. أنا، شخصياً، قد لاحظت كيف ساعدتني المصاعب التي واجهتُها، [مما ذكرت] أعلاه، على أن أتواصل مع الآخرين في ألمهم، وخصوصاً مراجعيّ. أعتقد بأنني أفضل مما كنت عليه كمعالج، وهذا يرجع، في جزء كبير منه، إلى أنني قد تجاوزت الألم النفسي البالغ الناتج عن التنمر الذي تعرضت له، ونمّتني [هذه التجربة]. لقد ساعدتني أن أتوصل إلى غايتي في الحياة: مساعدة الآخرين في أن يتعافوا من الألم النفسي البالغ ، وتدريب معالجي EMDR ليفعلوا ذلك  [أي: ليساعدوا الناس على التعافي].
  1. أعد تقييم فلسفتك في الحياة بعد تجاوزك لألم نفسي بالغ. وقد يقودك هذا، دون سعي مقصود، إلى تغيرات إيجابية في شخصيتك، مثل: ثقة أكثر، ضبط للنفس، لين [في الطبع أو في السلوك]، اتزان عاطفي. لقد ساعدني تجاوزي لما مررت به من التنمر بأن أدرك بأنني -وبغض النظر عن أننا نعيش في عالم مادي يركز على الصورة، تغذيه وسائل التواصل الاجتماعي- قد أردت وعشت لأن أكون متوجهاً إلى الداخل أكثر من الخارج (في البدء، كان التنمر قد أجبرني على ذلك)، لا تحركني أو تؤثر بي كلمات الآخرين أو أفعالهم المؤذية. وكما يقول المثل المشهور: “قد تكسر العصي والحجاة عظامي، لكن الكلمات لا تنال مني”. أشكركم، أيها المتنمرون، لأنكم دفعتموني لأفعل هذا عاجلاً وليس آجلاً.
  1. اكتشف بأنك أقوى مما ظننت، لأنك قد كابدت ألماً نفسياً بالغاً. إننا لا نعرف حقاً ما بوسعنا حتى نختبره. فالتنمر الذي واجهته، والتأتأة، وصعوبات التعلم كلها لم تمنعني من إتمام دراسة الدكتوراه، والحصول على منح دراسية متعددة، وتعلّم الإسبانية، وتحقيق غير هذا من الإنجازات. إنني أعتقد بأن ذلك قد عزز من دافعي للنجاح، وشغفي بالتعلم، وكسَر القيود التي حاولتْ تلك التحديات فرضها علي.
  1. اكتشف مشاعر جديدة من التقدير والامتنان، وقلل من الشدة غير اللازمة، بسبب ما كابدته من الألم النفسي البالغ، يمكن أن يكون هذا بتقديرك لقيمة الحياة، وبالرضا بالذات (تقبّل الذات)، و/أو بالاستقلالية. وإنها لمفارقة: أنني لست واثقاً من أنني كنت سأبلُغ ما أنا عليه من النجاح في مهنتي لولا تلك المصاعب. فقد أجبرتني على تعلم طرق عدة من التعافي، وأن أركز على مواهبي. وإنني لأشكر -مرة أخرى- المتنمرين، لا لأنهم ساعدوني على أن أدرك هذا عاجلاً غير آجل وحسب، بل، وأيضاً، لأنهم أوصلوني إلى ممارستي للتيقظ الذهني.[4]
  1. اكتشف صلتك بما هو أعظم منك[5]، وقد يجعلك هذا أكثر روحانية، بسبب ما كابدته من ألم نفسي بالغ. التنمر، بثور الوجه، وصعوبات التعلم، وغيرها هي من المشكلات التي تغذي الألم النفسي البالغ في حياة الآخرين. ولأنني قد عانيت منها جداً، فقد جعلني هذا أشعر بألم الآخرين حيثما كانوا، حتى أولئك الذين في بلاد أخرى ممن لن ألتقي بهم أبداً. لقد ساعدني ذلك أن أبني علاقات أفضل مع أحبابي، ومع طلابي، ومراجعيّ، وزملائي، وأن أشعر بالعطف على الغرباء الذين أصادفهم في الأماكن العامة.
  1. أدرِك كيف أن علاقاتك قد أصبحت أكثر قيمة، وضاعِف من صلتك بما يَجْدُر حقاً، بعد معاناة الألم النفسي البالغ. كما ذكرت في (رقم 5) أعلاه، قد لاحظت بأن ألمي النفسي البالغ قد أعطاني من أدوات العطف، وتفهم مشاعر الآخرين، وأدوات الرعاية، ما أثبتَ جدواه الكبيرة في مساراتي الشخصية والمهنية.
  1. مرِّن عضلة إبداعك. الفنانون والموسيقيون والكتاب قد أفادوا بأن دافع إبداعهم عادة ما ينخفض إذا ما كانت حياتهم، في عمومها، هادئة سهلة، لا فوضى تعتريها، وأن الأحداث الشديدة، كالطلاق أو الوباء، يمكنها أن تجدد طاقات إبداعهم. وإني لأظنك تَحضُرك أمثلة كُثيرة على هذا، عامةٌ وخاصةٌ. شكراً، أيتها المصاعب، لأنك أعطيتني الكثير مما أكتب عنه (وخصوصاً هذه المقالة).

نعم، إن الألم النفسي البالغ شاقٌ جداً، وقد لا ينطبق بعض ما ذُكر في هذا المقالة عليك، كأنْ تكون قد عانيت ألماً نفسياً بالغاً ومعقّدًا، أو أن تكون وطأة الألم النفسي البالغ ما زالت شديدة وحية في حياتك. كما أنني لا أقول بأن المعاناة أمرٌ جيد، ولكنها، قطعاً، يمكن أن تأتي بعواقب إيجابية لم يسع لها المرء ابتداءً، وأن لها “جانبًا مشرقًا”.

تجاربي الشخصية، من بين تجارب أخرى كثيرة، والبحث العلمي (بعض المصادر الأساسية قد أحيلَ إليها أدناه)، [التجارب الشخصية والبحث العلمي] تشير إلى أن نمو ما بعد الألم النفسي البالغ (PTG) شائع ومتاح أكثر مما قد تظن.

كيف قوّاك الوجع، أو الألم النفسي البالغ، أو المعاناة؟


لا تستهدف هذه المقالة أن تكون بديلاً عن مختص مؤهل. إذا كنت تبحث عن معالج EMDR فإني أوصي بالاطلاع على موقع الرابطة الدولية لـ EMDR (EMDRIA) لكي تتأكد بأن المعالج معتمد (في أفضل الأحوال)، أو، على الأقل، مدرَّب من جهة تدريب على  EMDR مرخصة.


* لم أختر أن أترجم كلمة (trauma) إلى (صدمة)، لأن (الصدمة) هي: “فورة المصيبة وحموتها” (لسان العرب: مادة: صدم)، وكلمة (trauma) تعبر عن الصدمة وتداعياتها من ألم نفسي بالغ وممتدة، ناشئ عن صدمة أو تجربة شديدة الأذى.وعلى هذا فكلمة (trauma) مرتبطة بحالة المعاناة قد لا تكون مقيدة بفورة المصيبة، وإن كانت ناشئة عنها.

(انظر: Cambridge English Dictionary:

dictionary.cambridge.org/dictionary/english/trauma; dictionary.cambridge.org/dictionary/english/shock)

* جايسون ن ليندر (دكتوراه في علم النفس الإكلينيكي)

* هذه الترجمة أهديها إلى (شيماء)، صديقة الجامعة، وقد كانت نادتني وهي على فراش مرضها الأخير، ولم نكن قد التقينا قبله زمناً طويلاً، ضاع مني الكلام في تلك الزيارة، ولم أدرِ ما أقول، وظننت أني سأزورها بعدها. رحلت (شيماء) إلى الله في مارس 2021، قبل أن تحين الزيارة الثانية، وقبل أن أرتب لها الكلام.

[1] حالة من حالات إعاقة النطق، تؤثر على قدرة المصاب على الاسترسال في الكلام، أو على النطق الصحيح، أو على وضوح أصوات الكلام التي يصدرها.  (Speech Implement Guide: online.maryville.edu/blog/speech-impediment-guide)

[2] نوع من الإعاقة تؤثر على قدرة المصاب على فهم ما يسمع من الكلام على نحو طبيعي، وهي ليست إعاقة في السمع، إذ إن المصابين بها عادة ما يتمتعون بسمع طبيعي. (NHS: nhs.uk/conditions/auditory-processing-disorder)

[3] انظر: emdria.org

[4]  جايسون ن ليندر  :LMTF, Psy. D. معالج مرخص، ثنائي اللغة (يتحدث الأسبانية)، متخصص في العلاقات، والألم النفسي البالغ، وما له علاقة بالإدمان، وعلاجات التيقظ الذهني. (Phycology Today: psychologytoday.com/us/contributors/jason-n-linder-psyd) له مدونة عن التيقظ الذهني على موقع (Psychology Today)، وترجمتُ إحدى مقالاته، عن (مخاطر التيقظ الذهني) لموقع (أثارة).

[5]  “دواؤك فيك وما تُبصِر          وداؤك منك وما تشعُر أتزعُم أنك جُرمٌ صغير          وفيك انطوى العالم الأكبر” – علي بن أبي طالب ولعله ليس ما يعبر عنه الكاتب هنا، وإنما الشيء بالشيء يذكر.
مراجع وضعها كاتب المقالة:

References

  • Calhoun, L. G., Cann, A., & Tedeschi, R. G. (2010). The posttraumatic growth model: Sociocultural considerations.
  • Faller, G. R. (2016). Sacred Stress: A Radically Different Approach to Using Life’s Challenges for Positive Change. SkyLight Paths Publishing.
  • Linley, P. A., & Joseph, S. (2004). Positive change following trauma and adversity: A review. Journal of traumatic stress: official publication of the international society for traumatic stress studies, 17(1), 11-21.

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates