Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

في وداع الصيف: عن المقاهي ..

    كثيراً ما أستعيض بطاولات المقاهي عن السفر .. حتى في أيام الغربة، كان في طاولات المقاهي هناك بقية من وصول وطيّاً لبعد السفر .. وكانت (أسماء) هي الوجهة .. كنا – على مدى خمس سنوات- نتقاسم إبريق شاي في كوبين .. وقطعة كعك في صحنين -أو ملعقتين إذا كنا في عجل، وكثيراً ما نكون .. (لم تكن هذه هي المقدمة المنوية لتدوينة في وداع الصيف، ولكنها استطراد، إذ ظهر وجه أسماء على شاشة الوورد وأنا أكتب أول تدوينة لم تنشر من بريطانيا – في مدونة أُنشئت هناك تحكي سفراً يحب أحاديث الوصول) ..
كثيراً ما أستعيض عن السفر بطاولات المقاهي .. –حتى في أيام الغربة ، كان في طاولات المقاهي ما يطوي من مسافات السفر- .. وكنت أسافر إلى سيدة مسنة أزورها في قرية -على بعد ساعة من مدينتي-، أحب حديثها ويعجبني ما تلفتني إليه من معاني الحياة .. التقينا أول مرة، على موعد، في مقهى القرية الصغير .. ولم يكن سوانا في المقهى غير كهل متشاغل –على مدى ساعة-  بقراءة صحيفة،  حتى أتى إلينا، بعدما فرغت أكوابنا، وانحنى إليّ ليكون وجهه مقابلاً لوجهي وهو يحدثني فقال: تبدين غريبة عن هذه القرية ، وأحب أن أرحب بك .. أهلاً وسهلاً ومرحباً بك دائماً في قريتنا .. فكانت (جين) ، إذا أردنا أن نلتقي، تحب أن نلتقي في الموعد نفسه .. تقول: لعل هذا الرجل يحب أن يجدد ترحيبه بفتاة غريبة يترقبها في ميعادها .. وكنا نضحك، وكان في هذا التندر ما يبعث في الروح ما يخفف من وعثاء السفر وثقل جفاء بعض أهل المدينة ..   في إسطنبول .. يوم مطر من صيف 2019 .. تصب السحابة ماءها على الأرض .. منذ الثانية ظهراً حتى الثامنة والمطر منهمر .. أدخل المقهى المزدحم .. فلا أجد فيه غير طاولة واحدة خالية، وبلا كراسي .. أطلب قهوتي، وأستأذن سيدة تركية تجلس مع ابنتها لأستعير الكرسي الثالث .. جلست على الطاولة الخالية .. تسحب السيدة طاولتي إلى طاولتها .. تقسم رغيفها إلى نصفين وتمده إلي .. تناولني من مناديلها .. تدعوني إلى شايها دون أن تنظر إلى قهوتي .. تحدثني بلغة لا أفهمها .. تبتكر بيديها لغة، تربت على كتفي  .. وأنا أنظر إليها كأنما غمست في داخلي غيمة من هذا المطر  ..  

5 Comments

  • Asma Alshaiban
    Posted 1 سبتمبر, 2019 at 5:42 ص

    صديقتي الرائعة حصة يالها من أيام كنّا نهرب فيها من معاناة و هموم الغربة و الدراسة بالجلوس على المقاهي و الحديث للترويح عن النفس. أكاد اجزم ان هذه المقاهي اصبحت تعرفنا و تعرف قصصنا. الآن اصبحت ذكرى الا ان لها في القلب مكان.

  • أنفال
    Posted 1 سبتمبر, 2019 at 9:45 ص

    سلمت.. إذن فأن تجلس في مقهى بغربة وبذهن حاضر خير من أن تجلس في وطن وبذهن مغترب .. !

  • مريم الخزام
    Posted 1 سبتمبر, 2019 at 11:03 ص

    ناس تألف فتألف هنا يكمن السر. أحببت قلمك حصه، نترقب القادم بشغف.

  • د. استفهام
    Posted 1 سبتمبر, 2019 at 4:22 م

    ليس أعجب للقلب ولا أنفع له في التأسي من حديث الذكريات بحلوها ومرها، والعجيب أنها تبدو لنا حين تذكرها على وجه من الحسن لا يشوبه شائبة، كأنما هي حسناء ينكسف البدر من سنا حسنها، على حد قول الشاعر:
    ذكرنا أحاديث الزمان الذي مضى
    فلذ لنا محمودها وذميمها !
    ومتى اجتمع حديث الغربة مع سحر الذكريات؛ كان للأحرف جرس بديع من النغم، يخال للقاريء بأنها لحظات من تنهدات صمت طويل على مسرح الحياة !
    وكم تمثل لي قول الكندي وهي تنشد ريح أهلها وأرضها من وجه صاحبتها حين قال:
    أجارتنا إنا غريبان هاهنا
    وكل غريب للغريب نسيب.
    محطات كثيرة يمكن الوقوف عندها واستجلاء ما فيها بعين عابر سبيل، وإنما هي كليمات كصلوات العباد في هدأة الليل !

  • مروة الرحماني
    Posted 22 يناير, 2020 at 12:20 م

    شكرا حصة لانك رجعتي تكتبين

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates